قصة الموحّدين: دولة التوحيد والعلم والعدل

قصة الموحّدين: دولة التوحيد والعلم والعدل

Rating 0 out of 5.
0 reviews

image about قصة الموحّدين: دولة التوحيد والعلم والعدل

في القرن السادس الهجري، أي قبل نحو تسعمائة سنة، كانت بلاد المغرب والأندلس تعيش مرحلة صعبة. كان الناس منقسمين، والحكام في بعض المناطق يهتمون بأنفسهم أكثر من رعاياهم، فانتشر الظلم وضعف الإيمان وقلّ العلم.
لكن في وسط هذه الظلمة، ظهر رجل من جبال الأطلس، اسمه محمد بن تومرت، وكان شابًا ذكيًا وشجاعًا ومحبًا للعلم والدين. منذ صغره، أحبَّ القرآن وتعلّم الفقه والحديث، ثم رحل إلى المشرق العربي، فزار مكة والمدينة وبغداد، وهناك رأى كيف يعيش الناس في مدن العلم والإيمان، فتمنى أن يعيد هذه الروح إلى بلاده.

عاد محمد بن تومرت إلى المغرب يحمل فكرة عظيمة: أن يعيد الناس إلى توحيد الله الحقيقي، وأن يُصلح أحوال الأمة بالعلم والعدل. بدأ يدعو الناس إلى التوبة وترك الظلم، وكان كلامه مؤثرًا وقويًا، فتبعه عدد كبير من الرجال من مختلف القبائل، يؤمنون بدعوته ويطلقون على أنفسهم اسم الموحّدين، لأن شعارهم كان "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، أي توحيد الله وحده دون شريك.

اتخذ ابن تومرت من جبال تينملّ مقرًا له، وهناك أسس مجتمعًا صغيرًا من المؤمنين المخلصين، يعلمهم الدين وينظم أمورهم بعدل وحكمة. وكان يقول لتلاميذه:
"إن الله لا ينصر إلا من كان صادقًا في إيمانه وعمله."

لكن حياة الدعوة لم تكن سهلة، فقد واجه الموحّدون معارضة من حكام الدولة المرابطية الذين كانوا يسيطرون على المغرب آنذاك. وبعد سنوات من الصبر والجهاد، توفي محمد بن تومرت سنة 524هـ، فحزن عليه أتباعه كثيرًا، لكنه ترك خلفه رجلاً قويًا وشجاعًا هو عبد المؤمن بن علي، الذي أصبح قائد الموحّدين الجديد.

كان عبد المؤمن رجلاً ذا علم وذكاء وحنكة عسكرية، فبدأ بتوحيد القبائل ونشر العدل في المناطق التي يدخلها. لم يكن يسعى إلى الحكم لذاته، بل ليقيم دولة يسود فيها الإيمان والعلم. وبعد معارك طويلة، استطاع أن ينتصر على المرابطين، ويؤسس دولة الموحّدين سنة 541هـ (الموافق 1147م).

امتدت دولة الموحّدين بسرعة، فشملت المغرب والجزائر وتونس وليبيا، ووصلت إلى الأندلس في أوروبا، حيث كانت ما تزال فيها مدن إسلامية مثل قرطبة وغرناطة وإشبيلية. وكان عبد المؤمن يحكم بالعدل، فلا يظلم أحدًا، ويختار القضاة والعلماء بعناية. وقد اشتهر بقوله:
"إن القوة بلا عدل ظلم، والعدل بلا قوة ضعف."

بعد وفاته، جاء من بعده أولاده وأحفاده، واستمرت دولة الموحّدين قوية لعقود طويلة. كانت عاصمتهم مدينة مراكش، التي ازدهرت في عهدهم، فبنوا فيها المساجد الضخمة مثل الكتبية، ذات المنارة العالية التي ما تزال شاهدة على عظمتهم إلى اليوم. كما بنوا مسجد حسان في الرباط، والمنارة، وهي آثار بقيت رموزًا لفن العمارة الإسلامية الرائع.

واهتم الموحّدون بالعلم اهتمامًا كبيرًا، ففتحوا المدارس والمكتبات، وشجعوا العلماء على التأليف والتدريس. ومن أشهر العلماء الذين عاشوا في عهدهم ابن طفيل صاحب قصة “حي بن يقظان”، وابن رشد الفيلسوف والطبيب المشهور الذي عاش في قرطبة وكتب كتبًا عظيمة في الفلسفة والطب. كان الموحّدون يرون أن العلم عبادة، وأن الأمة التي تتعلم لا يمكن أن تُهزم.

كما اهتموا بالزراعة والتجارة والفنون، فازدهرت المدن وعمّ الرخاء. كان الناس يعيشون في أمان، ويشعرون بأن للحاكم قلبًا يخاف الله، فلا يظلم ولا يتكبر.

لكن مع مرور السنين، وبعد موت القادة الأقوياء، بدأ الضعف يدب في الدولة. انشغل بعض الخلفاء بالترف واللهو، وظهرت النزاعات الداخلية، فاستغل الأعداء ذلك، وبدأت مدن الأندلس تسقط واحدة بعد الأخرى في يد الممالك المسيحية. وأخيرًا، انتهى حكم الموحّدين في المغرب سنة 668هـ تقريبًا، بعد أكثر من قرن من القوة والمجد.

ومع أن دولتهم زالت، فإن ذكرهم بقي خالدًا في كتب التاريخ. فهم علموا الناس أن الإيمان والعدل والعلم هي أعمدة الحضارة الحقيقية. وما تزال آثارهم ومساجدهم وقصصهم تذكّرنا بأن الأمة التي تتمسك بدينها وتحب العلم لا يمكن أن تندثر.

 

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

9

followings

5

followings

82

similar articles
-