هيروشيما.. اليوم الذي احترقت فيه الشمس

هيروشيما.. اليوم الذي احترقت فيه الشمس

Rating 5 out of 5.
1 reviews

المقدمة: لحظة غيّرت وجه التاريخ

‫صورة أرشيفية لمدينة هيروشيما بعد ضربها بالقنبلة النووية‬‎

في صباح السادس من أغسطس عام 1945، كانت مدينة هيروشيما اليابانية تستيقظ على يومٍ عاديٍّ جديد. الشوارع مزدحمة بالطلاب والموظفين، والأمهات يجهزن الفطور لأطفالهن. لم يكن أحد يتوقع أن هذا الصباح سيحمل في طياته أول اختبار نووي على البشر، وأن الشمس لن تكون وحدها من تشرق في السماء، بل نارٌ بشرية ستغيّر وجه التاريخ إلى الأبد.
في تمام الساعة الثامنة والربع صباحًا، سقط ضوءٌ يفوق سطوع الشمس نفسها، وبصوتٍ واحد تحولت المدينة إلى صمتٍ أبدي.

القنبلة التي أنهت الحرب وبدأت الخوف

القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما حملت الاسم الرمزي "الولد الصغير" (Little Boy)، وبلغ وزنها حوالي 4 أطنان، واحتوت على يورانيوم مخصب كان كفيلًا بتدمير كل شيء في دائرة قطرها عدة كيلومترات.
أقلعت الطائرة الأمريكية "إنولا جاي" من جزيرة تينيان، تحت قيادة الطيار "بول تيبتس"، حاملة هذا السلاح الفتّاك، في مهمةٍ قيل إنها ستُنهي الحرب العالمية الثانية، لكنها في الحقيقة افتتحت عصر الرعب النووي.

عند لحظة الانفجار، ارتفعت درجة الحرارة إلى أكثر من 4000 درجة مئوية، وارتفع عمود من النار والدخان إلى السماء شكل سحابة هائلة عُرفت فيما بعد بـ "سحابة الفطر النووي".
في أقل من ثانية، تبخر آلاف البشر، وانصهرت المعادن، وتحوّلت المباني إلى رماد.

هيروشيما.. مدينة من الرماد

ما حدث بعدها تجاوز الخيال. أكثر من 80 ألف شخص لقوا حتفهم في اللحظات الأولى، وارتفع العدد خلال الأشهر التالية إلى أكثر من 140 ألف ضحية.
من نجا من الانفجار واجه كابوسًا آخر: الحروق المروّعة، والعطش، والإشعاع القاتل.
كانت المدينة صامتة إلا من صرخات الألم، والناس يركضون بوجوهٍ مشوهة وجلودٍ تتقشر من أجسادهم، والمياه تغلي في الأنهار من شدة الحرارة.

في قلب المدينة، ظهرت ظلال بشرية على الجدران؛ أشكال لأشخاص تبخروا في لحظة، لكن ظلالهم بقيت محفورة، كأنها توقيع للمأساة.

 

الإشعاع.. القاتل الصامت

لم يكن الموت في هيروشيما سريعًا فقط، بل كان بطيئًا أيضًا.
الإشعاع الذي خلفته القنبلة ظل يفتك بالناس لسنوات طويلة. ظهرت أمراض جديدة لم يعرفها الطب وقتها، مثل سرطان الدم وتشوهات الأجنة، وولدت أجيالٌ كاملة تحمل آثار تلك الجريمة على أجسادها.
حتى التربة والماء والهواء بقوا ملوثين لعقود، وأصبح اسم “هيروشيما” مرادفًا للدمار النووي في العالم كله.

 

من الدمار إلى السلام

رغم كل هذا الخراب، نهضت اليابان من تحت الرماد بإصرار لا مثيل له.
في العقود التالية، تحولت هيروشيما إلى رمز عالمي للسلام، تُقام فيها مؤتمرات دولية لرفض الحرب النووية، ويزور متحفها ملايين الزوار كل عام لرؤية بقايا ما حدث.
وسط المدينة تقف قبة القنبلة الذرية، البناية الوحيدة التي صمدت أمام الانفجار، لتذكّر العالم بأن القوة ليست في التدمير، بل في القدرة على النهوض بعد السقوط.

 

العالم بعد هيروشيما

بعد أيام من هذه المأساة، أُلقيت قنبلة أخرى على ناغازاكي، وأعلنت اليابان استسلامها، لينتهي فصل الحرب العالمية الثانية.
لكن تلك النهاية كانت بداية لعصرٍ جديد: عصر السلاح النووي.
بدأت الدول تتسابق لتطوير هذا السلاح بدلاً من التخلص منه، وظهرت فكرة “التوازن النووي”، أي أن يمتلك الجميع القنبلة كي لا يجرؤ أحد على استخدامها — مفارقة مرعبة، لكنها أصبحت المنطق الذي يحكم السلام العالمي حتى اليوم.

 

الخاتمة: درس لم تتعلمه البشرية بعد

قصة هيروشيما ليست مجرد مأساة في كتب التاريخ، بل جرس إنذار للبشرية كلها.
في ذلك اليوم، لم تُدمَّر مدينة فقط، بل انهار ضمير الإنسان أمام طموحه في السيطرة والقوة.
ومع مرور الزمن، ما زالت الرسالة واضحة:

“العلم بلا إنسانية يُمكن أن يحرق العالم كله في ثانية واحدة.”

هيروشيما اليوم جميلة، مزدهرة، لكنها لا تنسى. فكل شارع فيها يحمل ذكرى، وكل حجر يهمس للعالم:

“احذروا من أن تتكرر لحظة احترقت فيها الشمس.”

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

8

followings

4

followings

0

similar articles
-