رواية الحجارة الهامسة

رواية الحجارة الهامسة

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

🪶 الفصل الأول: الصوت تحت الريح

لم يكن الغابة صامتة.
رغم أن الرياح كانت نائمة، إلا أن الأشجار كانت تهمس — همسات خافتة تشبه أنفاس روحٍ خفية. شدّت إلارا عباءتها بإحكام، وأصغت. الطريق إلى وادي الحكماء كان محرّمًا بعد الغروب، لكنها لم تجد خيارًا آخر.

قريتها كانت تموت. النهر الذي كان يروي محاصيلهم جفَّ حتى آخر قطرة، والعجوز الحكيم تحدث عن نبوءة — أن أحجار الهمس ستستيقظ فقط لمن وُلد في ظل الكسوف.

وإلــارا كانت تلك الطفلة.

كانت تحمل خريطة قديمة رسمتها جدتها منذ عقود — حبر باهت، حواف ممزقة، ورموز بدت كأنها تتحرك تحت ضوء القمر. انغرست قدماها في الطحالب الرطبة وهي تصعد المنحدر، وفجأة سمعت ذلك الصوت — أزيز عميق يشبه نبض الأرض نفسها.

> "إلــارا..."

 

تجمّد قلبها.
لم ينادِها أحد، لم يكن هناك أحد قريب. الريح لا تتكلم — ومع ذلك ناداها الصوت من جديد.

> "إلــارا من الوادي... لا تخافي ما أنتِ عليه."

 

استدارت نحو مصدر الصوت، فإذا بالأشجار تنفرج لتكشف عن دائرة من أعمدة حجرية نصف مدفونة بين الجذور.
كانت تتوهج بضوءٍ خافت وتهمس بلغةٍ كادت أن تفهمها.
النقوش على الحجارة كانت مطابقة لما على خريطة جدتها.

مدّت يدها لتلمس إحداها، فانقلب العالم حولها — الأرض ذابت إلى نور، ومرّت في ذهنها رؤى:
نار تهطل من السماء، وظلّ يحمل نفس الخريطة، وتاج مكسور يطفو على الماء.

ثم ساد الصمت.

ركعت على ركبتيها، والصوت يعود من جديد:

> "لقد تم اختياركِ لإيقاظ الأحجار... أو لدفنها إلى الأبد."

 

ثم تلاشى الضوء.
عادت الغابة كما كانت، والهمس يدور في الهواء.

وقفت إلــارا وهي ترتجف.
كانت تعرف أن القدر قد بدأ بالفعل.

 

 


---

🔥 الفصل الثاني: حارس اللهيب

لم يتغير شكل الغابة، لكنها لم تعد كما كانت.
الهواء ارتجف بطاقةٍ غامضة، والأحجار التي خلفها كانت لا تزال تومض، تنبض مع نبض قلبها.
كانت إلــارا متأكدة أن الصوت الذي سمعته حقيقي — وأنه اختارها لسببٍ ما.

لكن... لأي شيء اختارها؟

نزلت من التل، تتبع خريطةً صارت تشعّ من تلقاء نفسها.
كل خطوة كانت تُشعرها بدفءٍ غريب تحت قدميها، كأن الأرض حية.
الرموز على الورق تغيرت، قادتها جنوبًا، نحو جبال الرماد والنار.

الأساطير القديمة كانت تتحدث عن حارس هناك — حارس اللهيب — كائن يحكم النار التي صهرت الأحجار الأولى.
قلة من الناس صدقوا بوجوده، وأقلّ منهم حاولوا البحث عنه.

مع بزوغ الفجر، انتهت الغابة، وبدأت الأرض المتفحمة.
دخانٌ في الأفق، وتشققات ينساب منها وهجٌ أحمر، والحرارة جعلت الهواء يبدو كالزجاج.

غطّت إلــارا وجهها بعباءتها، لكن النار لم تؤذها.
بل على العكس، كانت اللهب ينحني أمامها، يلتفّ ويشكل جسدًا داخل الضوء — هيئة طويلة مكسوّة بدرعٍ من الحمم، وعيون تشتعل كالجمر.

> "تحملين ختم الأحجار"، قال الصوت العميق كالرعد.
"لماذا أيقظتِها؟"

 

ترددت إلــارا، ثم نظرت إلى الخريطة التي أضاءت من جديد،
فرأت على معصمها علامة صغيرة تشع بنفس نور الأحجار.

قالت بخوف:
"لم أقصد ذلك... الصوت ناداني... قال إنني المختارة."

اقترب الحارس، وخفَّ لهبُه حتى صار كجمرٍ هادئ.

> "إذن النبوءة صحيحة"، قال بصوتٍ بطيء.
"الأحجار تستيقظ... وكذلك الظلّ الذي قيّدها."

 

تسارعت أنفاس إلــارا.
"أيّ ظل؟"

> "ذاك الذي يبتلع النور — الملك القديم الذي صاغ الأحجار بدمائه.
سجنه يضعف مع كل همسة تسمعينها."

 

هبت ريح قوية، وتناثرت شرارات النار في الهواء.
الخريطة اشتعلت ضوءًا جديدًا، لترسم رمزًا جديدًا — تاج مكسور إلى نصفين.

تراجعت إلــارا خطوة.
"وكيف نوقفه؟"

> "بجمع الأحجار"، قال الحارس وهو يرفع يده المتقدة.
"لكن كل حجر في عالم مختلف — محروس، منسي، وينتظرك."

 

رفع كفه، ومن اللهيب خرجت شظية حجر متوهجة.
مدّت إلــارا يدها، وما إن لمستها حتى اجتاحت ذهنها رؤى جديدة — عاصفة فوق البحر، صحراء من المرايا، وبرج من الزجاج يمتد إلى السحاب.

وحين فتحت عينيها، اختفى الحارس.
لم يبقَ سوى رماد، وشظية الحجر في يدها تنبض كقلبٍ حيّ.

نظرت إلى الأفق البعيد، وهمست لنفسها:
"لقد بدأت الرحلة حقًا."

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
ALAA EDDINE TROUM تقييم 0 من 5.
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

0

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.