جعفر ذو الجناحين وطيار الجنة
من ذاك الصحابى الذى رآه النبى صلى الله عليه وسلم يطير بجناحين فى الجنة، من ذاك الصحابى الذى قال له النبى صلى الله عليه وسلم:"أشبهت خُلقى و خلقى"، إنه الصحابى الجليل جعفر بن أبى طالب و أبن عم النبى صلى الله عليه وسلم و أخو امير المؤمنين على بن أبى طالب .
أسلم جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه قبل أن يدخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم و يدعو فيها، فقد أسلم بعد إسلام أخيه على بقليل ، فأسلم بعد واحد و ثلاثين إنساناً و كان هو الثانى و الثلاثين، وله هجرتان : هجرة إلى الحبشة و هجرة إلى المدينة، وكان لهجرة جعفر بن أبى طالب إلى أرض الحبشة قصةً طويلة و موقف مع النجاشى ، فبعدما قضى جعفر بن أبى طالب هو وزوجته فى الحبشة بجوار النجاشى عشر سنين جاء الوقت الذى غادر فيه متجهاً إلى يثرب يريد صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان ذلك فى السنة السابعة للهجرة، فلما وصلوا إلى يثرب و كان النبى صلى الله عليه وسلم عائداً من خبير، بعد أن فتحها الله له ففرح بلقاء جعفر فرحاً شديداً حتى قال:"ما أدرى بأيهما أنا أشد فرحاً، أبفتح خبير أم بقدوم جعفر ؟".
و بقدوم جعفر دبت الفرحة بين جموع المسلمين عامة و بين الفقراء منهم خاصة، وذلك أنه كان شديد العطف بالفقراء و الضعفاء، وكثير البر بهم، حتى كان يُلقب “بأبى المساكين” فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال “ كان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان فى بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العُكة التى ليس فيها شيئ، فنقشها فنلعق ما فيها ”، وقد كناه النبى صلى الله عليه وسلم بأبى المساكين؛ لأنه كان يُلازمهم، وعن ابي هريرة ايضا انه قال: “ما احتذى النعال ولا انت عل. ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم افضل من جعفر بن ابي طالب”.
وفي أوائل السنة الثامنة للهجرة جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً لمنازلة الروم في بلاد الشام وأمر على الجيش “زيد ابن حارثة”وقال: إن ُقتل زيد فجعفر وإن ُقتل جعفر فعبدالله بن رواحة وإن ُقتل عبد الله فليختر المسلمون لإنفسهم أميراً منهم. ولما وصل المسلمون الى مؤتة وجدوا أن الروم قد أعدوا لهم مائة الف ومعهم مائة الف أخرى من نصارى العرب قد جاءوا لمساندتهم أما جيش المسلمين فكان ثلاثة آلاف. وما أن التقى الجمعان ودارت رحى المعركة حتى خر زيد بن حارثة صريعاً مقبلاً على ربه غير مدبر، فلما علم جعفر بمصرع زيد وثب على ظهر فرسه ثم عقرها بسيفه حتى لا ينتفع بها الأعداء. وحمل الراية وأنطلق يشق صفوف الروم شقا وهو ينشد ويقول:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها.
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة انسابها
علي إذا لاقيتها ضرابها
وظل يصول ويجول بسيفه بين صفوف العدو ويضرب فيهم يُمنة ويسرة. حتى أصابته ضربة قطعت يمينه أخذ الراية بشماله فأصابته ضربة أخرى قطعت شماله فأخذ الراية بصدره وعضديه فما لبث أن أصابته ضربة ثالثة قسمته نصفين.
ولما وصل خبر إستشهاد جعفر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن أشد الحزن حتى قالت عائشة رضي الله عنها:" لما أتى وفاة جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن"
وأنطلق النبي صلى الله عليه وسلم الى بيت جعفر وقال لزوجته:" ئتيني ببني جعفر". فأخذهم وتشممهم وذرفت عيناه حتى بل لحيته صلى الله عليه وسلم ،فقالت زوجة جعفر:" يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك؟ ابلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟" ،قال : “نعم أستشهدوا هذا اليوم”، فقامت وصاحت وأجتمعت اليها النساء. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أهله فقال:" لا تغفلوا ال جعفر من أن تصنعوا لهم طعاماً فأنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم" ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأولاد جعفر وقال:" اللهم إن جعفراً قد قدم اليك إلى أحسن الثواب فأخلفه في ذريته بخير ما خلفت عبداً من عبادك الصالحين"، ثم قال :"لقد رأيت جعفراً في الجنة له جناحان مدرجان بالدماء"، وقال أيضاً:"رأيت جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة".