القدس مدينة عربية اسلامية قوية
« القدس أو أورشليم ، أو دار السلام ، أو مدينـة العدل ، أو يبوس ، أو إيليا هي مجتلى عين موسى ، ومهوى قلـب عيسى ، ومشـرى ومعراج نبينا محمـد ، عليه الصلاة والسلام ، وهي قدس الأديان الثلاثة ، وقبلة الإسلام الأولى ، ومعبد الشرق والغرب ، وأروع مدن العرب الكنعانيين ، ورمز وحدة دين الله الواحد القهار ، بوركت وبورك ما حولها ، كانت درة متألقة في تاريخ العرب والمسلمين عبر العصور ، وكانت زهرة المدائن ، وما تزال . وإذا كان اليهود قد نشروا الأكاذيب ، وزيفوا الحقائق فيما يتعلق بالقدس ، وحاولوا إقناع العالم زورا وبهتانا ، بـأنهم هـم الـذيـن أنشأوا ، وشيدوا مدينة القدس ، وأقاموا مؤتمرات واحتفالات ضخمة في الآونة الأخيرة ، بمناسبة مرور ثلاثة آلاف عام على إنشائهم إياها ، فإنّ المصادر التاريخية والأثرية القديمة ، تكشف أكاذيب اليهود وادعاءاتهم الباطلة ، بأنهـم ا شيدوا مدينة القدس منذ ثلاثة آلاف عام ، والأدلة على ذلك تحكيها فصول من التاريخ . والـذي تـؤكـده المصادر القديمة أن مدينة القدس مدينة عربية خالصة ، أنشأها العرب الكنعانيون منذ آلاف السنين ، وكانوا يسمونها أورسالم أي مدينة السلام . وقد وفد الكنعانيون من شبه الجزيرة العربية في الألف الرابع قبل الميلاد . وكلمة كنعان في العربية القديمة تعنى خشونة الأرض ، ومن ثم صلابة أهلها وبأسهم ، وتفرّع عن الكنعانية بطون عدة من : عموريين ويبوسيين وآراميين وفينيقيين ، وغيرهم » .
« وفي العصر الإسلامي وصل الخليفة عمر بن الخطاب إلى بيت المقدس قادما من المدينة المنورة ، وقابل البطريق صفرونيوس فوق جبل الزيتون ، وأملى عهده المشهور بالعهدة العمرية ، إذ أعطى الخليفة أهل إيلياء ( أي القدس ) أمانا لأنفسهم ، وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم ، فلا تشكن كنائسهم ولا تهدم ، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم . وورد في هذا العهد نص في غاية الأهمية هو : " ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود " . وزار الخليفة عمر ( ره ) كنيسة القيامة ، وحان وقت صلاة الظهر ، فأشار عليه البطريق صفرونيوس بأن يصلى مكانه ، ولكن الخليفة أبى أن يصلى داخل الكنيسة ؛ حتى لا يتخذها المسلمون من بعده مسجدا لهم ، وصلى خارج الكنيسة ، ثم زار الخليفة عمر الصخرة المقدسة ، وأمر أن يقام فوقها مسجد فشرع المسلمون في إقامة مسجد من الخشب . ومنذ ذلك التاريخ أصبحت مدينة القدس إسلامية ، تابعة في إدارتها طبقا للتقسيم الإداري لجند فلسطين ووفدت القبائل العربية إلى الشام ، ودخلت هذه القبائل في التكوين الاجتماعي للمدن القديمة ، مثل : دمشق وحلب والقدس . وأصبح العنصر العربي الإسلامي - بمرور الوقت - العنصر الغالب في القدس بكل ما يحمله من المقومات الحضارية والدينية . وبعد قيام الدولة الأموية بدأ الخليفة عبدالملك بن مروان في بناء المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة ، وجمع لذلك أمهر المهندسين والبنائين من أنحاء الدولة الإسلامية وخصص لبناء مسجد القبة والمسجد الأقصى خراج مصر سبع سنوات متتالية ، وعندما توفى الخليفة عبدالملك سنة ٨٦ هـ / ٧٠٥ م ، خلفه ابنه الوليد بن عبدالملك ؛ فاستكمل بعض الإضافات للمسجد الأقصى ، الذي جاء بناؤه غاية في الفخامة والإبداع . ومن دلائل تسامح الإسلام وعظمته ، واحترامه للديانات أن الوجود الإسلامي في القدس ، لم يؤد إلى توقف رحلات هؤلاء إلى الأراضي المقدسة ، بل وجد الحجاج المسيحيون الأمان والسلام في ظل الحكم الإسلامي لقرون طويلة حتى نهاية القرن الحادي عشر الميلادي ، وعاشوا في سلام مع المسلمين » .
« وقد استفاد المسلمون فائدة كبيرة مما حدث في القدس على أيدي الصليبيين ؛ فقد استشرت فكرة الجهاد الإسلامي ، وتم إحياؤها للقضاء على الوجود الصليبي في بلاد الشام ، ورأى نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي ، الذي كان والده حاكما للموصل ، أن الجهاد ضد الصليبيين لن يتم إلا بتوحيد الجبهة الإسلامية والقضاء على الخلافة الفاطمية الشيعية ، وإعادة مصر إلى حظيرة الخلافة العباسية السنية ، وبالتالى وضع الصليبيين بين شقى الرحى . وتحقق أمل نور الدين ؛ فقد استولى على دمشق سنـة 1154 م ، وقربت النهاية المحتومة للصليبيين ، عندما استولى اثنان من قادة نور الدين ، هما : أسد الدين شيركوه ، وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي على مصر سنة 1168 م بعد ثلاث محاولات متتالية وتم القضاء على الخلافة الفاطمية الشيعية سنة 1171 م .
وأصبح صلاح الدين الأيوبي هو المتحكم في حلقة القوى الإسلامية ، واستطاع في الرابع من يوليو سنة ١١٨٧ م أن يتوج أعماله العسكرية ضد الصليبيين بانتصاره الرائع في معركة حطين . فـغـدت قلاع الصليبيين ومدنهـم في بلاد الشام تحت رحمته ، ومضى يفتح البلاد والمدن الصليبية واحدة بعد أخرى فتحا متواصلا . وبدلا من أن يتجة إلى القدس ليستولى عليها استيلاء أمنا سهلًا ، إذا به يتجه صوب عكا أولا ، وكان ذلك مظهرا من مظاهر عبقرية صلاح الدين الحربية وبعد نظره ؛ إذ اختار أن يبدأ أولا بالاستيلاء على المدن الصليبية الساحلية ؛ ليحرم الصليبيين من قـواعدهم البـحـرية ، التي تربطـهـم بـالـغـرب الأوروبي قبل أن يـتـجـة إلى القدس ، وفي يـوم جـمـعة من شـعـبـان سـنة ٥٨٣ هـ / ٩ أكـتـوبر ۱۱۸۷ م ، دخل صلاح الدين المسجد الأقصى ، وصلى في قبة الصخرة ، وشكر الله على توفيقه ونصره . وتقدم القـاضـى محــى الدين بن زكـــــى الدين ليـخـطب أول خطبة للجمعة بعـد الفتح ، فصعد المنبر ، وخطب خطبة بليغة جاء فيها عن القدس أنه : " أولى القبلتين ، وثاني المسجدين ، وثالث الحرمين ، لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه ، ولا تعقد الخناصر بعد الموطنين إلا عليـه " . ووجـه الخطيب كلامه إلى الجنـد قائلا : " فطوبى لكم من جيش ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية ، والوقعات البدريـة ، والعزمات الصديقية . والفتوح العمـريـة ، والجيـوش العثمانية والفتكات العلوية ، جددتم للإسلام أيـام الـقـادسية ، والوقعات اليرموكية ، والمناولات الخيبرية فجزاكم الله عن محمـد نبيه أفضل الجزاء ، وتقبل منا ومنكم ما تقريتُم به إليه مـن مهراق الدماء ، وأثابكم الجنة فهي دار السعداء " . وهـكـذا طـهـر صـلاح الـديـن الـقـدس ، وجـعـل كـلـمـة الله هي العليا ، وباسـتـثـنـاء فـتـرة الخمسة عشر عاما ، التي خضعت فيها القدس بعـد ذلك للحكم الصليبي ( 1229 - ١٢٤٤ م ) ، فإن المدينة عادت للسيادة الإسلامية في سنة 1244 م لتنعم بالسلام والأمان ، وينعم أهلها وزوارها بالأمـن وحـريـة الـعـبـادة ، وانتعشت التجارة والأحوال الاقـتـصـادية ؛ فكثرت الأسواق والخانات والقيان ، فضلا عن كثرة المؤسسات الخيرية والعلمية والدينية والأسبلة والحمامات ، ولـم يـعكر صفوهدونها شيء طوال الفترة الباقية من العـصـور الوسطى وحتى الحرب العالمية الأولى » .
)