سيبقى خالد في الصميم

سيبقى خالد في الصميم

0 reviews

الفصل الأول

من أنا؟

لَعلي دائماً اتسائل من أكون ؟وماهو هدفي؟ وماهي هواياتي ؟ وأسئلة كثيرة تجولُ في خاطري دون إجابة واضحة لهذا الكم الكبير من الاستفسارات التي تجتاح عقلي.

خالد..اسمي خالد..أعيش في بلدةٍ صغيرة في هذا العالم الكبير ، هذه البلدة التي تشبه بصغرها صغر كل شيئ حولي ، صغر عائلتي التي تتكون من أب وزوجته وأنا وأخي عابد ، وصغر دخلنا المادي الذي بالكاد يوفر لنا لقمة العيش ، وصغر سني الذي لم يتجاوز العشرين ، وصغر جسمي……………………………………

نعم صغر جسمي بكل ماتحويه الكلمة من معنى….

لأنني قزم………

نعم ..لقد ولدت قزم ولم يكن  لدي خيارات لأختار...

لم يكن لدي خيارات لأختار جسم يناسب جمال وجهي الأبيض كالقطن مع ملامحه الجذابة والغمازات التي تنطبع على وجنتي عندما ابتسم .

 لم يكن لدي الخيار لأختار جسم يناسب شخصيتي القوية ورجولتي وشهامتي بشهادة الجميع والمواقف خير شاهد .

 لم يكن لدي خيارات لأختار جسم يناسب ذكائي وخفة دمي وجميع الخصال الجميلة التي وهبني ياها الله عز وجلّ.

فقد كانت قامتي كفيلة بأن تنسيني من أنا ومن أكون واسمي وبلدتي وبلدي وكل حياتي 

..أصبحت كالأعمى لا أرى ، 

وعندما أحاول  أن افتح عيني ، أرى شيئاً وحيداً فقط.. وهو قصر قامتي وقزامتي 

فأغلق عيني بشدة واتمنى لو كنت أعمى فعلاً.

  • عائلتي
  • ولدتُ بعائلة صغيرة ذات دخل محدود مكونة من أبي (صافي) الرجل الذي لايعرف الكسل بحياته ، عاش حياته كلها بالعمل دون كلل ،فقد كان يذهب باكراً لوظيفته بمعمل الملابس ثم يعود للمنزل ليتناول الغداء ويأخذ قيلولته التي لاتتجاوز الساعة ليستيقظ ويعود للعمل مرة أخرى إلى وقت لا اعرف مداه لكوني أكون قد غرقت بالأحلام  قبل عودته.
  • صافي رجل بملامح واضحة تملأها الرجولة مع جسم ضخم طويل وقوي.
  • وقلب صافي لايعرف الحقد والكره ، حنون ..طيب ،محب للأخرين وللعائلة بشكل خاص 
  • فقد كان أبي صافي يحبنا كثيراً وفي قلبه تجاهي حب وحنان لايشبه حبه لأحد غيري.
  • عساه يكون لكوني أملك وضع خاص كما اعتقد ، أو أنه يرى بي شخص مميز بذكائه وصفاته كحد قوله لي.

تزوج أبي من خالتي ثريا بعد وفاة والدتي بأشهر معدودة.

توفت أمي بمرض السرطان وكان عمري لايتجاوز الخامسة وعمر أخي عابد سنة ونصف.

ثريا امرأة حمراء ،عصبية ،ثرثارة ، تحدث ضجة أينما تكون وتحب النظافة بشكل كبير ، تحب أخي عابد وكأنه ولد بطنها وترى فيه ابنها الذي فقدته قبل زواجها من أبي .

لقد كان زواج ثريا الأول فاشل جداً حيث لم يتجاوز اكثر من ثلاث سنوات ، تزوجت ابن عمها وكان عصبي كما طبعها فدائماً ما تملأ أصواتهم المكان وينتهي الصراخ بصوت بكاء الطفل وصفعة الباب أثر خروج زوجها فريد من المنزل.

كنا نسمع صراخهم ومشاكلهم دائماً حيث أننا نعيش في منزل مجاور بنفس الحي قبل ان ننتقل للعيش بمنزل جدي بعد وفاته وتنقطع أخبار ثريا عنا ،لتعود أخبارها من عمتي صفية التي كانت على صداقة قوية مع ثريا لتخبرنا بأنها تطلقت من زوجها فريد بعد وفاة ابنها الرضيع الذي لم يتجاوز الستة أشهر ،فكانت وفاته كالقشة التي قصمت ظهر البعير. 

توفى رضيعها ولم يبقى شيئ يجبر فريد للعيش مع امرأة عصبية مهووسة نظافة فطلقها على الفور لتغدو وحيدة حزينة على مصائبها التي تتلقاها كالصفعات واحدة تلو الأخرى .

وشاءت الصدف ان تنفصل ثريا عن زوجها بنفس الفترة التي توفت أمي بها ،واضطر أبي للتفكير بالزواج بالرغم من حبه الكبير لأمي وحزنه الشديد على فراقها .

لكن ليس باليد حيلة ،فصغر سن أخي وحاجته الكبيرة لرعاية وصغر سني أيضاً كانت كفيلة بأن تجعل أبي يكبح مشاعر قلبه ويفكر بعقلانية بحتة .  

ليقرر أخيراً  الزواج ، والزواج من مَن؟ 

الزواج من ثريا…لتزيد حظي سوءاً وأيامي سواداً وكأن القدر ينظر إلي بابتسامة خبيثة ليقول لي بصوت أجش : الأسود يليق بك. 

وينظر لأخي عابد بابتسامة حنان وحب كما دائماً يفعل

أخي عابد الشاب الطويل الأشقر ذو عينين زرقاوتين وجسم نحيل ،كسول لايحب العمل دائماً متذمر وأناني ،يحب أن يملك كل شيئ دون ان يفعل أي شيئ وبدون أي مجهود يذكر.

يومياتي

استيقظت باكراً كالعادة وإذ بصوت ماء يتدفق في باحة المنزل ويجري الحوار اليومي المعتاد…

ثريا تنظر إلي نظرة عدم رضا وانا أقف أمام باب غرفتي  وتسألني السؤال المزعوم اليومي :لماذا استيقظت باكراً ؟أريد أن اكمل عملي ..

انظر إليها دون اجابة فقد سئمت الإجابة عن نفس السؤال كل يوم منذ ان دخلت بيتنا 

كنت سابقاً عندما أراها تنظف المنزل اذهب وأركن في سريري دون حراك إلى ان تنتهي ومع ذلك عندما تراني تنظر إلي نفس النظرة وتسألني بإشمئزاز : مازلت نائماً لهذا الوقت المتأخر !!!؟

وفي كلتا الحالتين تختم كلماتها بتمتمة غير مفهومة وبصوت خافت لا اسمع منه سوى اللعنة

أنها امرأة عبارة عن خليط من التناقضات والعقد النفسية ،إن أحبت شخصاً عبدته وأن بغضت شخصاً….كان الله بعونه

ومن حسن حظ أخي عابد بأنها تحبه بشدة ،اذ انها يومياً تقوم بتحضير  الفطور  وتوقظه ليأكل ثم تعطيه ملابسه النظيفة المكواة وتحصنه بأيات وأذكار قبل خروجه من المنزل الى المدرسة .

ثم تلتفت إلي وتطردني بشكل غير مباشر من المنزل كي تكمل التنظيف على حد قولها

فألقي بنفسي على شرفة الباب بحيرتي إلى أين سأذهب؟

 وامشي امشي امشي دون وجهة معينة

كالضائع الذي يبحث عن أمه ،واتمنى لو كنت صغيراً ضائعاً كي استطيع  ان ابكي فأنا بحاجة شديدة  للبكاء ثم اصرخ بأعلى صوتي …أمي…انا احتاجك…

وعندما أراها احضنها بقوة وانسى شعور الحيرة والفقد الذي عشتهم بفترة ضياعي ..لكن هيهات …

الضياع الذي أنا فيه ليس له نهاية سعيدة ،بل هو كالمرض المزمن سيرافقني طوال حياتي إلى أن يقتلني ..

امشي و اتأمل الشوارع  والبشر والشجر وطلاب المدارس عند عودتهم إلى البيت واخبئ بصدري مشاعر الحسرة لانني تركت المدرسة بعد أن تنمر على شكلي أكثر من طالب وطالبة ، فقررت أن اهرب من نظراتهم ومن وصفهم لي بالقزم ومن ابتعادهم عني  كي لا أنقل لهم العدوى ، لاعتقادهم بأن قربهم مني سيجعلهم أقزام فتراهم يهربون مني وكأني  وحش بأنياب ومخالب يريد افتراسهم ،فانطوي بنفسي بعيداً واخبئ دمعتي بعيني وحسرتي وحزني بقلبي .

وقررت ان اهرب من كوني  دائماً اعرف الإجابات وحل الواجبات وعندما تسأل المدرسة سؤال ارفع يدي كي أجيب عنه ، وغالباً لا  تراني ،خاصة بأني لم اجلس في المقعد الاول بل قررت الجلوس بجانب صاحبي نجيب بالمقد الرابع .

كان نجيب صديقي الصدوق  الذي حظيت به في حياتي ، كان كالغيث بعد جفاف طويل .

كان يدافع عني دائماً ويجلس بجانبي لنأكل سوياً ونلعب ونضحك إلى ان ينتهي دوام المدرسة، فلولا ان انتقل عمل أبيه لمدينة أخرى وذهب معه ليكمل دراسته فيها لما كنت قد اقدمت على قرار ترك المدرسة ،فوجوده كان يكفيني لكن ليس باليد حيلة يظهر بأنه فعلاً …الأسود يليق بي….

نعم هربت من المدرسة ومن الطلاب لكني لم استطع ان اهرب من ذاكرتي التي طالما تسرد أمامي المواقف المؤلمة التي عشتها وتردد على مسمعي أقسى كلمات سمعتها 

وبعد ان امشي واتعب من التأمل والحسرة اقف امام مدرسة عابد وانتظر خروجه لارافقه للمنزل ،فتنشغل ثريا باستقبال أخي عابد والاستفسارات عن يومه ودراسته ،واغتنم الفرصة لادخل  غرفتي واغلق على نفسي بابها لحين قدوم والدي فترة الغداء لاتناول معه الطعام ونتحدث قليلاً ثم يذهب لأخذ قيلولة قبل ان يعود للعمل واذهب أنا الى غرفتي كالأسير الذي يرى جلاده خارج القضبان فيفضل المكوث  بالسجن ويرى سجنه جنة مقابل ما سيلقاه خارجاً

ربما أبالغ قليلاً بوصفي لثريا  فهي ليست بهذا القدر من السوء ..هي امرأة صعبة المراس فقط لاغير

لكن قلبي لم يعد يحتمل فأصبحت اهرب من أيا كلمة أو فعل أو حتى نظرة ممكن أن تتسبب بجرحه.

امتلئ قلبي جروح فلم يعد ليحتمل أكثر من ذلك

أشعر بأنه يدفعني للمكوث وحيداً وكأنه يقول لي ارحمني من ظلم الناس فلو أن قلوبهم من حجر أنا لست كذلك.

فاستجيب له وانزوي على نفسي مجمعاً شتات قلبي ..مواسياً لروحي…متأملاً بغدٍ أفضل.

 

انتهى.

رابط الفصل الثاني:

 https://stories.amwaly.com/blog/20607/%D8%B3%D9%8A%D8%A8%D9%82%D9%89-%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%85%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

7

followers

10

followings

22

similar articles