جزاء الإحسان "والله يضاعف لمن يشاء"
أقبل شهر رمضان في موسم الصيف؛ حيث القيظ والحرارة والجو الملتهب. كان الجمل العجوز يقف بباب الدار المفتوح، ويُنصت لكلام صغيرِهِ الذي قال بصوت واهن:
ـ إنني أشعر بالعطش يا أبتاه !.
تأثر العجوز بكلام الصغير، الذي بدا عليه الهزال من أثر الصيام، وجعل يشدّ من أزره، ويقوّى من عزيمته، ويهوّن عليه؛ قائلا:
ـ صبرا يا صغيري. لم يبق سوى القليل. ألا ترى أن الشمس تزحف ناحية الغرب. سأذهب لأسمع أذان المغرب، وأعود لنُفطر جميعا. استعن بالله يا ولدي.
ـ اللهم صبّرني وهوّن عليّ يا رحيم !.
ويذهب الجمل العجوز نحو المسجد.. وكانت الشمس قد اختفت خلف التلال ، وبينما كان في طريقه، لمح جارتهم الزرافة، وقد بدت حائرة، وتتلفت ذات اليمين وذات الشمال، وما لبث أن اقترب منها وسألها:
ـ تبدين جزعة ومضطربة !. ما الأمر عزيزتي الزرافة ؟!.
قالت الزرافة في تردد وحياء:
ـ ماذا أقولُ لك جارنا العزيز لقد. لقد حال مرضي دون السعي لرزقى و.. وليس في بيتنا فطورا. المهم صغيريّ الصائميْن.
تأثر الجمل العجوز بكلام الزرافة، وقال مُرحّبا:
ـ لا عليك. ألا حللت علينا وصغيريك ضيافا أعزاء ؟.
ـ بوركت سيدي و..
ضحك العجوز قائلا:
ـ رمضان كريم. إننا إخوة وجيران، ويسعدنا تشريفكم.
ويُرفع أذان المغرب:
ـ الله أكبر الله أكبر.
ويتقدم العجوز الزرافة وصغيريها إلى البيت، بينما يردد:
ـ الله أكبر. الله أعظم والعزة لله.
ويستقبل الصغير الضيوف هاشّا باشّأ !:
ـ أهلا ومرحبا. الدار داركم. تفضلوا على الرحب والسعة.
وتناولت أسرة الزراف طعام الفطور، وكان العجوز وصغاره يقومون على خدمتهم، وتحمد الزرافة ربها الرازق الرحيم:
ـ الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا.
ويسألها صغيرها:
ـ وماذا عن طعام السحور يا أماه ؟.
ـ الله موجود يا صغيري، وكل آت قريب.
وتودّع الزرافة مضيفهم العجوز وصغاره:
ـ جزاك الله عنا خيرا عزيزي الجمل الطيب.
ـ لقد شرفنا بكم. صحبتكم السلامة.
وأحاط الصغار والدهم العجوز، حيث قال الصغير:
ـ لا تشغل بالك يا أبت. لقد شربنا بحمد الله.
وأضاف آخر:
ـ وسنكتفى بالطعام فضلة الضيوف.
وعلق ثالث: ليت أن يُحسن أصحاب الفضل في كل شهور السنة؛ فإنهم يجوعوا شهرا والفقراء يجوعوا طوال أيام السنة.
ـ بوركتم صغاري. إننى فخور بكم.
ويعلق الصغير في ذكاء:
ـ الولد لأبيه، وما نبغي سوى رضاك يا أبت.
وفي اليوم التالي خرج الجمل الطيب ليسمع أذان المغرب، وكانت
الشمس تكاد تختفي بين الأشجار ، وكان يفكر في جارتهم،
ويسأل نفسه:
ـ "ترى كيف حال الزرافة وصغيريها ؟. عساهم بخير"
ويبدو أنه سمع صوتا، فراح يتلفت من حوله في دهشة هاتفا:
ـ ماذا ؟!. أسمع تأوهات !.
وسرعان ما سعى ناحية الصوت، ليفاجأ بغزالة راقدة، ويبدو عليها الأعياء. اقترب منها وسألها فى لهفة:
ـ ما الخطب صديقتى الغزالة ؟!
ـ لقد أعياني الذئب الغدار.
ـ الذئب !. كيف ؟
ـ كنت ذاهبة لأجلب فطوري وصغاري. صادفني الذئب. قطع عليّ الطريق؛ فأطلقت سيقاني للرياح، وانطلق يعدو خلفي. لم يلحق بي لأنني أسرع منه. وظل يطاردني و..
ـ قصارى القول. يسعدني وصغاري تشريفكم لدارنا. بل سيكون يوم عيدنا.
ـ و. ولكن.
ـ الله لطيف بعباده، ورمضان شهر الخير والبركات. أنت وصغارك ضيوفنا. هيا يا عزيزتي، فقد دنا وقت المغرب.
وقدّم الجمل الطيب فطورهم للغزالة وصغارها، ويودّع العجوز ضيوفه، وتشكره الغزالة: أشكر فضلك وكرمك.
ـ الشكر والفضل لله. صحبتكم السلامة.
وفطرت أسرة الإبل على الماء، وفضلة طعام الضيوف حامدين شاكرين، ويبتهل العجوز:
ـ اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا أرحم الراحمين
وفي اليوم الثالث استضاف الجمل العجوز النعامة وصغارها الصائمين لتناول الفطور، ويتقدمها وصغارها نحو البيت:
ـ أهلا ومرحبا !.
ويودّعهم الجمل العجوز بعد أن يُفطروا، وما لبث أن يجتمع وصغاره، وينبرى قائلا:
لقد خصّنا الله معشر الإبل بالصبر وقوة التحمل. ذلك فإن على ظهورنا السنام: مخزن الطعام. فضلٌ من الله ونعمة.
وانتشر الخبر في كل مكان عن طريق الزراف والغزلان والنعام، وبلغ الأسد الذي يرسل في طلب الفيل الوزير، ويطلب منه أن يدعو أسرة الإبل.
ـ سمعا وطاعة يا مولاي.
وفي اليوم الرابع. خرج الجمل الطيب، ليستقبل ضيوفا كالعادة، وكان الفيل في طريقه إليهم، وبدا للجمل العجوز الذي قال:
ـ أسمع دبيب الفيل الوزير. مرحى سيدي الوزير. دبيب عزيز !.
ـ أشكرك أيها الجمل الطيب. إن الأسد الملك يدعوك وصغارك للمثول بين يديه.
ـ لقد اقترب المغرب، ويشرفنا أن تكون ضيفنا ثم نعجّل بالذهاب إلى مولاي.
ـ مولاي الأسد يطلبكم قبل المغرب.
ـ وإني وصغاري رهن الإشارة.
وفي الطريق إلى عرين الأسد، يسأل العجوز وصغاره أنفسهم في حيرة:
ـ ترى: فيم يطلبنا الأسد الملك ؟!.
ويستقبلهم الأسد في حفاوة، ثم يقول للجمل العجوز:
ـ لقد أصدرتُ مرسوما ملكيا باستضافتك وصغارك طوال شهر رمضان
ويهتف العجوز وصغاره:
ـ كل هذا ؟!.
ويرد الأسد معبّرا في صدق:
ـ وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان !.
ويوجه المعلم سؤالا:
ـ ما الحيوان الذي سُمِّيَ بـ “سفينة الصحراء” ؟، ولماذا ؟
تمـت
إلى اللقاء.. يا أصدقائي
حمدى عمارة