الرواية و المجتمع
إن الحديث عن العلاقة ما بين الأدب و المجتمع يستدعي إلى أذهاننا بشكل مباشر جنسا أدبيا يعد الأكثر تمثيلا و تمثلا لهذه العلاقة، وهو الجنس الروائي لما لع من قدرة على التعبير عن القضية الإنسانية، و تجسيدها في صورتها الحية مستعينا في ذلك بمختلف الوسائل الفنية و الشكلية التي حظيت بها و في مقدمتها سشاعة مجالها الكليغرافي الذي يجعلها قادرة على تجسيد الواقع بشتى تلوناته و أبعاده ،و إضافة إلى هذا المؤهل الشكلي للجنس الروائي، فإن له مؤهلا آخر ،و لكن هذه المرة على المستوى النوعي باعتباره جنسا أدبيا مفتوحا أمام مختلف الأجناس الأدبية يأخذ منها تقنيات فنية تمده بإمكانيات أدبية تمكنه من الغوص في أعماق الواقع الإجتماعي من غير حاجز فني أو شكلي، وهو ما عبر عنه رجاء عيد في قوله:" لعل الرواية بقدرتها على الموضوعية تستطيع أن تكون أهم دعائم الفن المعبر عن الكينونة الاجتماعية للمجتمع و قادرة في نفس الوقت على الاقتراب الدائم و المشاركة المستمرة لقضايا التي تتصارع وسط المجتمع و اتخاذ موقف منها و تستطيع المساهمة الجادة في تعميق دور الفن في كشف النقاب عن العلل " وبهذا تكون العلاقة بين الفن الروائي و الوسط الاجتماعي علاقة عضوية حيث إنه يعيش في قلبه و يتصل بكل شرائحه وفئاته ويصدر عن وعيه لكنه في الآن نفسه خاضع للقواعد الشكلية و الفنية التي تحدد الخصائص النوعية للرواية.
إن علاقة الرواية بالمجتمع لا تقتصر على كونها جزء من هذا المجتمع يتصل بكل شرائحه بل تعدته إلى أن ظهور الرواية و تطورها كان له إرتباط مباشر مع تموجات الواقع الاجتماعي ذلك أن الإرهاصات الأولى لنشأة الرواية الفنية، و التي تمثلت أساسا في الملحمة الإغريقية و ما تلاها من أعمال قصصية خلال العصور الوسطى و إن بدت بعيدة عن الواقع الاجتماعي فهي قريبة منه.
بهذا يكون التطور الذي عرفته الرواية قرين بتطور المحيط الاجتماعي ذلك أنه غالبا ما يشكل استجابة لمختلف التحولات و التغيرات الاجتماعية، فالرواية الرومانسية مثلا شكلت البوادر الأولى لقلق النخبة المثقفة من البورجوازية بعدما فشلت الثورة في تحقيق المبادئ الإنسانية التي كانت تنادي بها و لذلك عكست الرواية هموم الذات في واقع لم يعد فيه مكان للحرية الشيء الذي جعل أبطال الرواية الرومانسية ينشدون العزلة هروبا من الواقع .
