قصة صانع الساعات

قصة صانع الساعات

0 المراجعات

في زمن بعيد بعيد، عندما كان أغلب البشر يحسبون أيامهم بقياس أشعة الشمس حكم مدريد ملك مهووس بالزمن والساعات كان يطلب الساعات الرملية وساعات الحائط وساعات اليد والمزاول من صناع الساعات المشاهير في كل أنحاء العالم.. وكان الملك يبيع رعيته جنودًا أو مزارعين بأجر بخس لملوك آخرين حتى يؤدي ثمن الآلات المرهفة. امتلأت ردهات قصره بصوت الرمال التي تنساب داخل الساعات الرملية العملاقة، وحتى المزاول كانت تحسب الساعات وفقا للظلال التي تلقيها في حدائقه الشاسعة.
امتلك ساعات حائط تحاكي الطيور الأثيرة إلى نفسه، وساعات أخرى يبرز منها فرسان وتنانين مصغرة إعلانا عن مرور ساعة كاملة. حتى في أبعد أركان العالم، كان الناس يطلقون على قصره »El Palacio del Tiempo« :الملكي في مدريد أي «قصر الزمن».

أما زوجة الملك الجميلة" أولبيدو" (ويعني اسمها بالاسبانية"النسيان")، فلقد أنجبت له ابنا وابنة، وإن لم يُسمح لهما باللعب والضحك شأن باقي الأطفال بل كانت أيامهما محسوبة ومحكومة بالساعات التي أعطاهما الملك إياها الساعات التي نظمت مواعيد الاستيقاظ،والطعام واللعب والنوم من أجلهما، بعقاربها الفضية والذهبية.

ذات يوم، تجرأ المهرج الأثير عند الملك وقال مازحًا أن سيده مهووس بالساعات لمجرد أنه يخاف الموت ويتمنى لو أبقاه بعيدا عنه بقياس الوقت.
لم يكن الملك بالرجل الذي يغفر بسهولة. وفي اليوم التالي، شد جنوده وثاق المهرج إلى تروس أكبر ساعات الملك الذي راح يراقب بلا أدنى أثر للرحمة بينما التروس تسحق كل عظمة في جسد مهرجه الأثير السابق عجز الخدم عن مسح كل الدماء السائلة عن التروس، مهما بذلوا من جهد في سبيل ذلك، وهكذا أطلق عليها «الساعة الحمراء» من ذلك الوقت فصاعدًا، وتهامس الناس بأن دقاتها تردد اسم المهرج القتيل.

مرت السنون وكبر الأمير والأميرة، وصارت مجموعة الساعات الخاصة بالملك مثارا للغيرة في كل أرجاء العالم. وذات يوم قرب ذكرى إعدام المهرج العاشرة - تلقى القصر هدية مجهولة المصدر: ساعة جيب جميلة في صندوق من الزجاج كانت العلبة الفضية مفتوحة، فظهرت الحروف الأولى من اسم الملك منقوشة على غطاء الساعة، في حين مضى العقربان الفضيان يتنقلان من دقيقة إلى دقيقة بدقات مرهفة وكأنها وقع خطوات اليعسوب.

التقط الملك الساعة من الصندوق، فوجد تحتها ورقة مطوية ومختومة بعناية، وإذا هو يمتقع حين قرأ الرسالة المكتوبة بخط محكم جميل،مكتوب فيها:

جلالة الملك..
متى توقفت هذه الساعة، فارقت أنت الحياة،إنها تعرف الساعة والدقيقة والثانية التي تموت فيها على وجه الدقة، فأنا قد حبست موتك في داخلها، لا تحاول كسرها، وإلا عجلت بإنهاء حياتك.

التوقيع: صانع الساعات


حدق الملك إلى الساعة في يده شاعرًا وكأنما العقربان يطعنان قلبه بكل ثانية يحسبانها، عجز عن الحركة،ولم يعد قادرًا على الأكل أو الشرب أو النوم،وما هي إلا أيام حتى سرى الشيب في شعر رأسه ولحيته، ولم يعد يملك سوى التحديق إلى الساعة.

أرسل الأمير جنود أبيه للعثور على المرسال الذي سلم الهدية المميتة، فعثروا عليه في قرية قريبة غير أنه لم يدر ما اسم صانع الساعات،أقسم أنه قد تلقى الصندوق في طاحونة مهجورة تقع في الغابة العتيقة،ومضى بجنود الملك إلى الطاحونة،فلم يجدوا إلا مشغلًا مهجورا، حيث خلت الأرفف ومكاتب العمل إلا من تمثال فضي صغير يصوّر مهرجا راقصا، يقف في طست من الدماء، سارع الجنود بالعودة إلى القصر للإفادة بما عثروا عليه، غير أنهم جاؤوا بعد فوات الأوان،إذ فارق الملك الحياة وهو لا يزال جالسا على العرش، قابضا على ساعة الجيب بيده الباردة،توقفت العقارب في تمام الساعة والدقيقة والثانية التي مات فيها المهرج بالتحديد.

عند ذاك وحسب، تذكر الأمير أن المهرج كان له ابن أيضًا..

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

17

متابعين

2

متابعهم

1

مقالات مشابة