مذكرات آدم المصري: بلا هوية - حلقة ١
مقدمة:
نحن لا نفتقد مجرد أشخاص مروا بحياتنا، و لكن ….
نفتقد أُناس مروا بداخلنا و جعلوا لكل لحظة مذاق خاص ..
ربما لم يفتقدونا مثلما نفتقدهم ..
ربما لم يبادلونا مشاعرنا ..
ربما لم يشعروا بوجودنا أصلاً ..
و بات من الواضح أننا صرنا (نفتقد من لا يفتقدنا)
تائه أنا وسط كلماتي المبعثرة ..
تائه أنا و لسان حالي يتساءل ما بين لحظة و أخري:
أين أنت؟!
لا تقل أفتقدك
و لا أنت مضطر لأن تشعر بأي إحساس علي وجه الأرض نحوي
لا تقل شئ
فقط تكفيني رؤيتك
الشعور بك
الإطمئنان عليك
و إن كنت تكرهني فأعلم أنني سأظل غافل عن ذلك رغم شعوري به
و إن كنت تنافقني فأعلم أنني أعشق النفاق منك
فيا من كنت ملاكاً و صرت ما بين عشية و ضُحاها بشراً
أعلم أنني أفتقدك كثيراً ملئ السماء بالنجوم و ملئ الأرض بالبشر
أنا آدم المصري .. آدم إبراهيم المصري .. عمري ٣٠ سنة .. نويت كتابة مذكراتي فهي الحقيقة الوحيدة المؤكدة في حياتي، و ما تحويه سطورها لم يكن مقدر له أن يري النور لولا تلك الطريقة التي لجأت إليها ..
إذا وجدت تشابُهاً من أي نوع بينك و بين ما ستقرأه في السطور التالية فأنت وحدك المسئول عنه، فلست مسئولاً بأي حال من الأحوال عن خيالك المريض، فلم يعد لي مكان في تلك الحياة فبالكاد أستطعت كتابة تلك السطور و غير مسئول عن سخافاتك و تفكيرك المثير للشفقة.
______________________________________________
المكان:
لوكاندة النصر و دي من أقدم اللوكندات الموجودة في منطقة المنشية في الأسكندرية
الزمان:
سبتمبر - بداية خريف ٢٠١٨
الوصف:
أوضة صغيرة في الدور الأول فيها سرير صغير، و كومود متهالك جنب منه مش هتقدر تميز لون خشبه الأصلي من كم التقشير اللي فيه أو التراب اللي تراكم علي كل جوانبه، و عليه جهاز تليفون منزلي قديم و إزازة مية معدنية مفيهاش غير شوية صغيرين، و كمان طفاية صغيرة مبقاش فيها مكان لعقب سيجارة تاني من كتر ما هي مليانة علي آخرها ..
ده غير بلكونة صغيرة يادوب تكفي فرد واحد بس يقف فيها، و سورها حديد و الصدا باين فيه أوي رغم اللون الأخضر الغامق اللي مدهون بيه و اللي شكله هيروح بسرعة بسبب الرطوبة العالية اللي بيسببها قرب المكان من البحر، أما الڤيو فكان من ناحية ميدان المنشية الكبير بتمثاله الشهير لمحمد علي باشا، و الجنينة اللي بتشكل مساحة كبيرة أوي بطول الميدان، أما الناحية التانية كانت جنينة بتشكل برضه مساحة كبيرة بطول الميدان و في آخرها موجود النصب التذكاري الشهير للجندي المجهول في المنشية، و قدامه البحر بمنظره اللي مفيش حد يقدر ينكر جماله خصوصاً في الوقت ده من السنة ....
و وسط كل ده كنت أنا ....
الساعة ١١ و نص بالليل واقف في البلكونة سرحان و أنا بسمع: ( أنساك .... ده كلام .... أنساك يا سلام .... أهو ده اللي مش ممكن أبداً .... و لا أفكر فيه أبداً )
و دخان المعسِّل طالع لحد مناخيري من القهوة اللي تحت اللوكاندة، و كل ده معاه طبعاً صوت قواشيط الطاولة و هبد الدومينو علي الترابيزات و ....
و اندمجت ....
بكل حواسي ....
كل اللي شايفه و بسمعه بدأ يدخل في بعضه ..
بالظبط زي شريط الكاسيت لما يسف ....
و فجأة ....
مبقتش شايف غيرها قدامي ....
و مبقتش سامع غيرها ....
آخر حوار بيني و بينها قبل ما تموت:
- عايز أقولك أنا الفترة دي مخنوق أوي و تعبان بجد ..
= محدش مرتاح يا آدم .. كل واحد فينا عنده همومه و مشاكله .. أنا عارفة ده و حاسة بيك .... باين أوي عليك
- و رغم كل ده مش بحسس اللي قدامي بحاجة ....
يعني .... بخاف أشيِّل اللي قدامي هم مش همه و هو في غني عنه ....
انتي مثلاً .. ممكن يجيلك أضعاف الإحباط اللي عندك لو سمعتيني .. انتي فيكي اللي مكفيكي بجد
= و أنا مستعدة أسمعك .. أنا عارفة إنك بتكلمني عشان تخرجني من اللي أنا فيه، و انك تنسي همومك شوية، بس بجد .. أنا مستعدة أسمعك و لو أقدر أحل مشاكلك كمان أنا جاهزة ....
و فجأة رجعت للواقع تاني ..
عيني دمعت لما افتكرت إنها لسة عايشة و ماتت جوايا أنا بس
أصعب حاجة في الدنيا إن حد يموت جواك إنما يفضل عايش قصاد عينك
أنا مش هفضل عايش بالإحساس ده ....
لازم أنسي حتي لو هخبط دماغي في الحيطة يمكن أفقد الذاكرة و أرتاح ، أو ....
أو أنتحر ..
تابع