الطالب والطموح ضد المجتمع
استيقظ الطالب ذات صباح "متمطعا" على سريره وهو يجذب الغطاء على جسده حيث كان اليوم هو يوم تقديم أوراقه إلى مكتب التنسيق الجامعي وفجأة ظهر في الحجرة رجل ضخم الجثة أصلع الرأس قاس الملامح ذو شارب طويل يرتدي جلبابا ويحمل معه عصا غليظة ، مد يده ليجذب الغطاء من على جسده ففزع الطالب بشدة وقال له :
- انت مين ؟
- أنا "المجتمع".
- وعاوز مني إيه يا "مجتمع"؟
- عاوزك تقوم من سريرك وتقدم في كليتك عشان تاخد شهادة.
- واعمل إيه بالشهادة يعني ؟ يعني أخويا اللي اتخرج من حقوق وابن خالتي اللي متخرج من تجارة ما عملوش حاجة بشهاداتهم وقعدوا على القهوة في الآخر.
- لازم تاخد شهادة عشان شكلك ما يبقاش وحش قصادي وانت بتتقدم للي هاتتجوزها مثلا.
- أنا ماعنديش واسطة أبويا راجل عادي مش مستشار ولا لواء ولا هاعرف أتوظف حتى بشهادتي وأخرتي اقعد على القهوة بعد "المحط" والمذاكرة ومصاريف الدروس والمواصلات واستنالي سفرية اشتغل فيها حاجة ما عليهاش القيمة .. ففكك مني وسيبني انااااام.
- لأ لازم تقوم أنا بقول لك أهو .. انت نسيت ان شكلك هايبقى "عـــــرة" قصادي وإن كل ما حد يسألك عن مؤهلك ها تتكسف منه وانت بتقول له.
وأخذا يتجاذبان الغطاء بشدة معا وفجأة انشق المكان عن رجل آخر ممشوق الجسد ذو شعر مهندم ونظارة طبية ويرتدي بذلة أنيقة ويحمل معه مفكرة ذكية صغيرة وقلم إلكتروني ، نظر الطالب و"المجتمع" إليه في آن واحد والتقت عينا الطالب بعيني القادم الجديد فاطمأن إلى نظراته وأحس فيهما بذكاء وبريق غير عادي وسأله :
- انت مين ؟
- أنا "الطموح".
فارتبك "المجتمع" بشدة عندما سمع الاسم وتراخت يده عن الغطاء فجذبه "الطموح" من يده بكل سهولة قائلا له في حزم:
- سيب الطالب انا خلاص بقيت موجود عنده.
- وانت هاتفيده بايه ؟ أهم حاجة نظرتي ليه.
- طول ما انا عنده فهو ماشي صح ومش هايهمه شكله ايه قصادك.
ثم كتب بضع أشياء بالقلم على شاشة المفكرة قبل أن يوجه حديثه للطالب :
- بص يا عزيزي الطالب أنا عندي ليك كام فكرة : إنت تقدم في كليتك عادي بس خليك مقضيها ، أهم حاجة استعن بالله كده وخُدلك كورسين : لغة إنجليزية مع كمبيوتر (برمجة مثلا أو تطوير مواقع أو تصميم ثنائي أو ثلاثي الأبعاد) بفلوس الدروس اللي هاتفلس أبوك على الفاضي دي حتى لو "دبلرت" في كليتك المهم تركز في الكورسات مع اتنين اصحابك من نفس الكلية وبالذات في الصيف ، عدي سنة أولى وبعدين "دبلر" في تانية شوية وعلى ما تخلص كليتك تكون خلصت كام كورس محترم وأول ما تخلص كورساتك وتعدي كليتك أو ما تعديهاش ده شيء يرجعلك تكون جاهز من مجاميعه لسوق العمل وربنا يوفقك ، وسيبك من شكلك قصاد الجدع ده …
آه .. كنت هانسى أقول لك : أولا : إما تتجوز وتخلف بإذن الله .. نصيحة ما تغلطش غلطة أبوك وتركز إن أولادك يكونوا حفيظة واعتمادهم الكلي يكون على الدروس الخصوصية ، الأحسن تعودهم على القراءة وتحببهم فيها من صغرهم بأنك تحفظهم كتاب ربنا وما تشدش عليهم بالطريقة اللي تعقدهم في الحفظ وتشتري لهم راويات جيب ومجلات مصورة.
ثانيا : الدروس الخصوصية تكون في المواد الصعبة اللي ابنك ما يعرفش يذاكرها لوحده انما لازم يتعود من صغره انه يعتمد على نفسه في بعض مواد مع متابعة منك انت وأمه وتفهموه وتعلموه ازاي يفهم ويشغل دماغه في مذاكرته ويربط بعقله اللي بيدرسه بتعاليم دينه وبواقع الحياة اللي حواليه.
ثالثا : تكون اجازات الابتدائية فرصة إنك تطوره في الإنجليزي واللغات بالراحة مع مكافأة ليه جنب اللعب كل ما يخلص مستوى، وأجازات الاعدادية فرصة انك تديله كورسات كمبيوتر برضه بالهداوة مع مكافأة وتسيب له أوقات فراغ لنفسه برضه، ولغاية الثانوية توقف وبعدين تكمل معاه تاني جنب الكلية أو بدالها فيبقى جاهز هو كمان لسوق العمل بإذن الله .. كده دماغك تبقى "بريمـــو" ومش تقليدية.
- طيب والجدع ده اللي مش مديني فرصة وتفكيره كله تقليدي ومش بيساعدني في أي حاجة وعلى طول مقفل السكك في وشي ، أعمل فيه إيه ؟
- هاقول لك نعمل فيه ايه حالا.
وضع "الطموح" المفكرة والقلم جانبا ثم أشار للطالب إشارة معينة قبل أن ينقضا فجأة على "المجتمع" ويغطيا وجهه بغطاء السرير ، لم يجد "المجتمع" الفرصة لتجنبهما حيث أن حديث "الطموح" أذهله وجعله يقف فاغرا فاه طوال الوقت ، ثم دفعاه نحو النافذة وقذفاه منها فوقع على الفور وهو يصرخ:
- كده كتير وحرام ، لاااااااااااااااااااا.
وقف "الطموح" والطالب معتدلين بعدما سمعا صوت ارتطام جسد "المجتمع" بالأرض ونفضا أيديهما ثم ضرب كل منهما كفه الأيمن بكف الآخر قبل أن يقول "الطموح" للطالب وهو يضع يديه على كتفيه وينظر في عينيه بكل حزم :
- انت على الطريق الصح وكده انت بدأت تحققني جواك.
ثم تحول فجأة إلى ما يشبه الطيف ودخل في عقل الطالب فانتفض الطالب بقوة ثم استيقظ من نومه وهو يبتسم في "طـمـــــوح".
