هوس النوم وتحدي الاستيقاظ العنيد

كان "جابر" رجلاً ودوداً ومحباً للحياة، يمتلك روح دعابة لا تُقاوم، لكنه كان يعيش في صراع أبدي مع عدوه اللدود: النوم. لم يكن نومه مجرد راحة، بل كان سباتاً عميقاً لا يخترقه رنين، ولا صراخ، ولا حتى هزات أرضية خفيفة. في غرفة نومه، كانت جدرانها تشهد على محاولاته البائسة للاستيقاظ، حيث تتراص أربعة منبهات مختلفة الأشكال والأحجام، تطلق معاً سيمفونية إزعاج يومية تفشل في مهمتها. في إحدى ليالي الشتاء القارسة، حيث يزداد النوم حلاوة وثقلاً، كان جابر على موعد مع أهم اجتماع في مسيرته المهنية. أدرك أن المنبهات الإلكترونية لم تعد تجدي نفعاً، فقرر أنه بحاجة إلى قوة قاهرة، قوة بيولوجية لا تقبل المساومة.

 

اختراع "الاستيقاظ القسري" المبتكر

بعد تفكير عميق، خطرت لجابر فكرة "الاستيقاظ القسري"، وهي خطة لا يمكن أن يفكر فيها سوى شخص يائس من إيجاد حل لمشكلة الاستيقاظ. استدعى خيطاً سميكاً وقوياً، ثم قام بربطه بإحكام حول إبهام قدمه اليمنى. قام بتمرير الخيط من فتحة صغيرة تحت باب غرفته الثقيل إلى الخارج. ثم هبط إلى الدور الأرضي حيث كان كلب الجيران الضخم والنشيط، "شجاع"، ينتظر نزهته الصباحية بفارغ الصبر. ربط جابر الطرف الآخر من الخيط بـ"مقود" الكلب، معتمداً على حقيقة أن "شجاع" لا يفوّت موعد نزهته أبداً، وأن سحبته الأولى تكون دائماً مدوية كإطلاق قذيفة.

 

 لحظة انطلاق المنبه البيولوجي

في فجر ذلك اليوم المصيري، دقت المنبهات الأربعة في غرفة جابر في توقيتها المعتاد، وأصدرت ضجيجاً كافياً لإيقاظ مدينة بأكملها، لكن جابر بقي غارقاً في نومه، متحصناً في مملكة الأحلام. في تلك الأثناء، استيقظ الجار، السيد محمود، الذي كان معتاداً على جدول صارم لنزهة كلبه. لم يلاحظ محمود الخيط الممتد من تحت باب جابر، ولاحظ فقط حماس "شجاع" الشديد للركض. أطلق محمود العنان للكلب قائلاً: "انطلق يا بطل!"، وما أن شعر "شجاع" بالحرية حتى انطلق بجنون نحو الحديقة.

 

 صرخة الاستيقاظ المفاجئة والمؤلمة

لم تدم لحظات سبات جابر طويلاً. شعر فجأة بـ"سحبة" حارقة ومفاجئة على إبهام قدمه، وكأن أحداً يحاول انتزاع إصبعه من مكانه! صرخ جابر صرخة قوية اهتزت لها جدران المنزل، لم تكن صرخة خوف بقدر ما كانت صرخة ألم مضحك ممزوج بالدهشة. قفز من سريره بسرعة قياسية، وكأنه انطلق بقوة محرك نفاث، وهو يمسك بقدمه ويتعثر في أغطية سريره. لم يكن هذا استيقاظاً، بل كان إطلاقاً اضطرارياً من الفراش! 

image about قصة جابر والمنبه البيولوجي
 

المواجهة الكوميدية على عتبة الباب

اندفع جابر، بأقصى سرعة يسمح بها إصبعه المربوط، نحو الباب. فتحه ليجد منظراً لا يُنسى: الكلب "شجاع" يقف شامخاً، ينظر إليه ببراءة مفرطة، والجار محمود يقف متجمداً في مكانه، متفاجئاً بالخيط الخارج من تحت الباب وبالرجل الذي يقفز على قدم واحدة ويصرخ. قال جابر، وهو يضحك متألماً ومحاولاً استعادة أنفاسه: "يا جاري العزيز، أرجوك... أطلق هذا المنبه برفق في المرة القادمة!". انفجر محمود في الضحك، ووجهه محمر من المفاجأة والفكرة العبقرية المجنونة.

 

نجاح الخطة ولقب المنبه الودود

أدرك جابر أن خطته قد نجحت نجاحاً ساحقاً، رغم طريقة التنفيذ القاسية. ومنذ ذلك اليوم، تخلص جابر من جميع منبهاته الإلكترونية. وأصبح "شجاع" هو "المنبه البيولوجي" الرسمي لجابر، ورغم الألم الخفيف الذي كان يصاحب كل استيقاظ، إلا أنه كان يضمن وصوله إلى العمل في الوقت المحدد. في كل صباح، كان الجار محمود يسأل جابر وهو يبتسم ابتسامة واسعة: "هل سحبك المنبه الودود اليوم، يا جابر؟". وبذلك، تحولت مشكلة النوم إلى نكتة صباحية لا تُمل.