موسم الزيتون، إحياء الموروث الشّعبي وتجديد العلاقات الاجتماعية

موسم الزيتون، إحياء الموروث الشّعبي وتجديد العلاقات الاجتماعية

0 المراجعات

لأنّ شجرة الزيتون هي جزء من هويتنا وأصالتنا الضّاربة في أعماق التّاريخ كضرب جذورها في أعماق الأرض،  يعود موسم جنيّ الزيتون أو " لقاط الزيتون" كما يسمّى في اللّهجة الخطابية، في هذا الوقت من كلّ عام، ليكون العنوان الرّئيسي ليوميات العديد من العائلات الجزائرية ولا سيّما في المناطق الجبلية، تتقدمهم في هذه المهمّة المتعبة والمُمتعة في نفس الوقت تلك "المجاهدة العظيمة" المرأة الرّيفية الّتي لا تمنعها صعوبة التضاريس ولا المسالك الجبلية الوعرة ولا الوديان والشّعاب ولا برودة الطّقس ولا بُعد المسّافة ولا حتّى تقدّمها في السّنّ عن النّهوض فجرا لجنّي هذه الثمرة المباركة من شجرة الزّيتون الّتي تتعلّق بها إلى أقصى الحدود، وتكنّ لها قدسية خاصّة، فتعتبرها فردا من عائلتها، وعضوا من جسدها، وقطعة من روحها وجزءا لا يتجزّأ من كيانها، فتسخّر لهذا “ المهرجان الخريفي” جهدها ووقتها وتحظّه باهتمام خاصّ، فبات تجديد العهد مع هذا الحدث بمثابة موروث شعبيّ يتكرّر إحياؤه في كلّ عام.
بالأمس القريب كان لموسم " لقاط الزيتون" في بني خطّاب رمزية كبيرة،  فإضافة إلى كونه موسم لتحصيل الغلّة " العولة"، هو كذلك موسم لإحياء جزء مهم من التراث الشّعبي لمناطق القبائل من خلال " التويزة" وغيرها من مظاهر النّشاط الاجتماعي الّتي ظلّت تشكّل فرصا لإحياء وتجديد العلاقات الاجتماعية واستمرار الفعل التّواصلي الإنساني وكذا تلاقي واحتكاك الإنسان مع أخيه الإنسان، وما يتولّد عنه من امتداد لأواسر الأخوّة وصلات القرابة والمودّة، كما يتولد في مقابل ذلك شعور بفخر الانتماء للبيئة الرّيفية بأرضها وتضاريسها وأحوائها.

هذا ويعمل اجتماع العائلات والأقارب والجيران في أجواء تفاعلية على تحويل برودة الطّقس بجبال بني خطّاب وغيرها إلى دفء كبير، تتخلله الأنسة والحكايا والتنكيت  التي تستمر طوال رحلات الذّهاب والإياب النهارية بين الحقول المنازل، وكذلك خلال جلسات السّمر وجلسات العَشاء الجماعي حول كانون نار الحطب الملتهب في فناء دار القرميد.
كان في الأمس القريب،  حينما كنّا نعيش في مجتمع الانطباعات الدّافئة قبل أن ننزح أفرادا وجماعات إلى بؤر المجتمع الافتراضي وننعزل بشكل مأساوي في انطباعاته الباردة وأقطابه المتجمّدة، كان هذا في  زمن الألفة والأنسة والحكايا الشيّقة والمشوّقة حول تاريخ لم تسجّله الكتب والمراجع.

صابر شباط، طالب دكتوراه وباحث في علوم الإعلام والاتصال، الجزائر 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

6

متابعين

9

متابعهم

22

مقالات مشابة