دولت غبريال فهمي: أبطال منسيون.
من هي البطلة "دولت فهمي"؟
للأسف لا توجد معلومات تفصيلية عن حياة "دولت فهمي"، و غالباً لأن في هذا الوقت كان يعتبر خروج و تعليم المرأة من الأمور النادرة جداً، حيث كانت هناك أسر كثيرة تعتبره عار.
هي دولت غبريال فهمي، و كل ما نعرفه عنها ، أنها ولدت و نشأت في قرية أبو عزيز في المنيا، و ليس سوهاج كما ذكر الفيلم.
و لظروف ما لا يعلمها إلا الله، استطاعت أن تخرج دولت من الحصار المفروض علي المرأة في الصعيد، و تسافر القاهرة لتشتغل في التعليم.
و اشتغلت في مدرسة الهلال الأحمر القبطية للبنات، و ترقت في المناصب و كان هذا سهل و سريع أيامها لأن المدرسات أصلاً كان عددهم قليل جداً، إلي جانب أنه كان هناك قانون ينص علي أن المدرسة تشتغل طول ماهي آنسة فقط، و لو تزوجت، تجلس في بيتها، هذا و ظلت دولت كذلك إلي أن احتلت منصب النظارة في المدرسة.
انضمت "دولت فهمي" سراً لمنظمة المقاومة "اليد السوداء"، و غير معروف أيضاً ظروف انضمامها للمقاومة و سبب ذلك ايه، هذا لأنها لم تكن تمتلك وقتاً كي تحكي تفاصيل ذلك، و غالباً كان البطل أحمد عبد الحي كيرة السبب في انضمامها، لأنه كانت مهمته تجنيد الفدائيين، و كانت مهمتها طباعة المنشورات السياسية للمقاومة ضد الإنجليز و توزيعها مع أشخاص آخرين.
مع اندلاع ثورة ١٩١٩م، لعبت "دولت فهمي" دور عظيم فيها، و كانت من أوائل النساء اللاتي شجعنَّ بنات مدرستها و المدرسات، أن يخرجنّ للشارع و أيضاً يتظاهرون جنباً إلي جنب مع الرجال ضد الإنجليز.
و هذا أمراً لو تعلمون عظيم، في زمن كان يُحرَّم خروج المرأة أصلا ً للشارع بمفردها من غير أهلها.
أي أن دولت عاشت طوال عمرها مناضلة في حياتها الشخصية، و العملية، و الوطنية.
و في ٢٢ فبراير سنة ١٩٢٠م، فوجئت "دولت فهمي" بشخص علي أبواب مدرستها يستنجد بهم ليدخ، و عندما خرجت له و رأت هيئته و فزعه و مسدسه في يده، مع سماعها و علمها بالإنفجار الذي حدث لموكب "محمد شفيق باشا" الذي كان يسير بالقرب منهم، فهمت أنه واحد من الفدائيين الذين نفذوا العملية، و هارب من الانجليز.
و بدون أدني تردد، أدخلته و خبأته في مدرستها، و رمت المسدس في بير المدرسة، و كان هذا الفدائي هو "عبد القادر الجن".
لكن للاسف الإنجليز حاصروا المدرسة و تم القبض عليه في اليوم التالي.
بعد القبض علي "عبد القادر الجن" بأيام، وصل إلي "دولت فهمي" مهمة طلبتها منها منظمة اليد السوداء. بما أن "عبد القادر الجن" اتقبض عليه في مدرستها، فإذا ذهبت و شهدت أنها تعرفه و لم يكن هارباً عندها، ممكن أن يتمفتخفيف الحكم من عليه.
و بالفعل ذهبت "دولت فهمي" إلي مكتب التحقيقات، رغم معرفتها بخطورة تلك الشهادة علي سمعتها و حياتها، و دخلت بكل ثقة و حضنت "عبد القادر" و قبَّلته، لكي تتقن الدور، و شهدت _وسط دهشة "عبد القادر" نفسه الذي لم يكن يعرفها و لا رآها إلا في يوم هروبه عندها، لكن أتاه جواب و أوامر من المنظمة أنه لازم يأمن علي كلامها مهما يكون، أن "عبد القادر" يكون عشيقها و أنه يأتي ليبيت عندها و لم يكن هارباً و أن هذا أمر طبيعي اعتاد عليه الطبيعي.
و رغم الضغوطات التي مارسها عليها المحققين و التهديدات، لكنها لم تغير أقوالها و ظلت مصرة عليها.
و من سوء الحظ، أن كاتب التحقيق كان بلدياتها من قرية أبو عزيز، و لما قالت اسمها عرفها، و طبعا سمع و كتب شهادتها، و النخوة بلغت أشدها عنده، فبعد إنتهاء التحقيق، توجه إلي البلد مسرعاً و أبلغ أخوات دولت بما حدث.
توجه أخوات دولت إلي القاهرة و ذهبوا إلي المدرسة يبلغوها كذباً بأن خالتها دهسها السكة الحديد (القطر) و ماتت، و لابد أن تحضر إلي البلد للعزاء، و ليس جواباً قد أتاها أن أمها تحتضر كما ذكر الفيلم.
و سافرت دولت معهم و ذهبوا بيها إلي المقابر بحجة زيارة تربة خالتها، و من خلفها و أثناء وقوفها أتي أخوها و ذبحها.
و بذلك ماتت "دولت فهمي"، بتهمة أبعد ما تكون عنها، ماتت بريئة و شريفة، ماتت فدائية و وطنية، ماتت مُضحية من أجل بلدها.
رحم الله "دولت فهمي".