
حينا لامس الحب قلبينا
العنوحين لامس الحب قلبينا
(1)
كان المساء ينسج خيوطه الذهبية على شوارع القاهرة، والهواء يحمل نسمات خفيفة تنعش الأرواح. في ذلك المقهى الصغير بجوار النيل، جلست ليلى تقلب صفحات كتابها، وعيناها تغرقان في كلماته دون أن تقرأ حقًا. كانت هناك غصة في قلبها، وحنين لماضٍ لم تعشه بالكامل.
في المقابل، كان عمر يجلس على الطاولة المجاورة، ينظر إليها بين الحين والآخر، يتأمل نظراتها الشاردة. لم يكن يعرفها، لكنه شعر وكأنه التقى بها من قبل.
(2)
بعد لحظات، سقطت ورقة صغيرة من كتاب ليلى، فالتقطها عمر قبل أن تصل إلى الأرض. ناولها لها بابتسامة خفيفة وقال:
“أعتقد أن هذه لكِ.”
نظرت إليه ليلى، وعندما التقت عيناهما، شعرت كأن الزمن توقف للحظة. ابتسمت بخجل وأخذت الورقة:
“شكرًا لك.”
نظر إلى غلاف كتابها وقال:
“رواية رائعة، قرأتها منذ سنوات.”
ردّت بتردد:
“أحب هذه الرواية، أشعر أنني أجد نفسي بين سطورها.”
جلس عمر للحظة صامتًا، ثم قال:
“ربما لأن الكاتب وضع جزءًا من قلبه في كل كلمة.”
لم تكن ليلى من النوع الذي يثق بالغرباء سريعًا، لكنها شعرت براحة غريبة في حديثه.
(3)
في الأيام التالية، أصبح لقاؤهما في المقهى عادة غير مقصودة. كانت تذهب لتقرأ، لكنه كان هناك. وكان هو يذهب ليتظاهر بالعمل على حاسوبه، لكنها كانت هناك.
بدأت الأحاديث بينهما تصبح أطول، أكثر عمقًا، أكثر دفئًا. اكتشفا أنهما يشتركان في حب الأدب والموسيقى، وأن كليهما يهرب إلى الكتب حين يخذله الواقع.
(4)
في إحدى الأمسيات، وبينما كانت ليلى تنظر إلى مياه النيل المتلألئة، سألها عمر:
“ما الذي يجعلك حزينة أحيانًا؟”
تنهدت وقالت:
“أحيانًا أشعر أنني أبحث عن شيء لا أعرفه... كأن هناك فراغًا بداخلي لم أجد ما يملؤه.”
نظر إليها عمر وقال بصوت هادئ:
“ربما لم تجدي الشيء الصحيح بعد... أو ربما هو أقرب مما تتخيلين.”
نظرت إليه، وشعرت أن كلماته تلمس شيئًا عميقًا بداخلها.
(5)
مرت الأيام، وأصبح وجودهما في حياة بعضهما أمرًا لا مفر منه. كانا يتشاركان اللحظات الصغيرة: كوب القهوة الصباحي، نكتة عابرة، رسالة قصيرة في منتصف الليل.
وذات يوم، وبينما كانت ليلى تقلب صفحات دفترها الصغير، وجدت ورقة لم تكتبها. كانت بخط يد عمر:
“هناك لحظات في الحياة نشعر فيها أن القدر يرشدنا نحو شخص ما... وأنتِ كنتِ تلك اللحظة بالنسبة لي.”
توقفت أنفاسها للحظة، ثم رفعت رأسها، لتجده واقفًا أمامها، وعيناه تحملان كل الكلمات التي لم يقلها بعد.
(6)
لم يكن الحب بينهما عاصفًا كالأفلام، لكنه كان مثل النيل: هادئًا، عميقًا، وأبديًا.
كانا يلتقيان كل يوم، وكأنهما كانا دائمًا يعرفان أن هناك موعدًا غير مكتوب بينهما. لم يكن هناك اعتراف صريح بالحب، لكنه كان واضحًا في نظراتهما، في الطريقة التي تضيء بها عينا ليلى حين ترى عمر، وفي الطريقة التي ينتبه بها إلى كل تفاصيلها الصغيرة.
(7)
في إحدى الليالي، قرر عمر أن يخرج عن صمته. كانا يسيران على كورنيش النيل، والصمت بينهما لم يكن ثقيلًا، بل كان مليئًا بالمعاني. فجأة، وقف ونظر إليها قائلًا:
“ليلى، هل فكرتِ يومًا في معنى أن يكون هناك شخص واحد في حياتك تشعرين معه بالأمان؟”
ابتسمت وقالت:
“أعتقد أن ذلك هو الحب.”
أمسك يدها بلطف وقال:
“إذن، هذا ما أشعر به معك.”
(8)
توقفت ليلى للحظة، ونظرت إلى يديه الممسكتين بيدها. شعرت بحرارة دافئة تسري في أوصالها، وكأن العالم كله توقف ليشهد هذه اللحظة.
قالت بصوت خافت:
“وأنا أيضًا، عمر... أشعر أنني وجدت ما كنت أبحث عنه.”
(9)
منذ تلك الليلة، تغير كل شيء. أصبح الحب بينهما واضحًا، وصار اسمه منطوقًا بين الكلمات، في الرسائل، في الأحاديث الطويلة عن المستقبل.
لكن الحياة لا تسير دائمًا كما نتوقع…
(10)
ذات صباح، جاء عمر إلى المقهى، لكنه لم يجد ليلى. حاول الاتصال بها، لكن هاتفها كان مغلقًا. مرت أيام ولم تظهر، وكأنها اختفت من العالم.
أصبح المقهى فارغًا بدونها، كأن كل شيء فقد معناه. وبعد أسبوعين، وجد رسالة منها وصلت إلى بريده الإلكتروني:
“عمر، لا أعرف كيف أقول هذا، لكنني مضطرة للسفر فجأة. لا تسألني عن السبب، فقط اعرف أنني لم أرحل عنك، بل الظروف من أخذتني بعيدًا. كنت أتمنى أن يكون لدينا وقت أكثر... لكن ربما هذا اختبار آخر من القدر. لا تنسَني.”
(11)
كانت الكلمات كالصاعقة، شعر وكأن قلبه قد انتُزع من صدره. حاول البحث عنها، لكن بلا جدوى.
مرت الشهور، ولم يستطع نسيانها، كانت تسكنه في كل شيء: في المقاهي، في الكتب التي تقرأها، في الأغاني التي كانوا يستمعون إليها معًا.
(12)
وفي يوم من الأيام، بينما كان يمشي في أحد شوارع القاهرة المزدحمة، رأى من بعيد فتاة تحمل كتابًا مألوفًا. كان هو نفس الكتاب الذي كانت تقرؤه يوم لقائهما الأول.
اقترب بخطوات مترددة، وحين التفتت الفتاة إليه، كانت ليلى.
التقت عيناهما مرة أخرى، وفي تلك اللحظة، لم يكن هناك حاجة للكلمات.
كان الحب الذي لم يرحل، لا يزال هناك، ينتظر فقط أن يلتقيا من جديد.
(1)
كان المساء ينسج خيوطه الذهبية على شوارع القاهرة، والهواء يحمل نسمات خفيفة تنعش الأرواح. في ذلك المقهى الصغير بجوار النيل، جلست ليلى تقلب صفحات كتابها، وعيناها تغرقان في كلماته دون أن تقرأ حقًا. كانت هناك غصة في قلبها، وحنين لماضٍ لم تعشه بالكامل.
في المقابل، كان عمر يجلس على الطاولة المجاورة، ينظر إليها بين الحين والآخر، يتأمل نظراتها الشاردة. لم يكن يعرفها، لكنه شعر وكأنه التقى بها من قبل.
(2)
بعد لحظات، سقطت ورقة صغيرة من كتاب ليلى، فالتقطها عمر قبل أن تصل إلى الأرض. ناولها لها بابتسامة خفيفة وقال:
“أعتقد أن هذه لكِ.”
نظرت إليه ليلى، وعندما التقت عيناهما، شعرت كأن الزمن توقف للحظة. ابتسمت بخجل وأخذت الورقة:
“شكرًا لك.”
نظر إلى غلاف كتابها وقال:
“رواية رائعة، قرأتها منذ سنوات.”
ردّت بتردد:
“أحب هذه الرواية، أشعر أنني أجد نفسي بين سطورها.”
جلس عمر للحظة صامتًا، ثم قال:
“ربما لأن الكاتب وضع جزءًا من قلبه في كل كلمة.”
لم تكن ليلى من النوع الذي يثق بالغرباء سريعًا، لكنها شعرت براحة غريبة في حديثه.
(3)
في الأيام التالية، أصبح لقاؤهما في المقهى عادة غير مقصودة. كانت تذهب لتقرأ، لكنه كان هناك. وكان هو يذهب ليتظاهر بالعمل على حاسوبه، لكنها كانت هناك.
بدأت الأحاديث بينهما تصبح أطول، أكثر عمقًا، أكثر دفئًا. اكتشفا أنهما يشتركان في حب الأدب والموسيقى، وأن كليهما يهرب إلى الكتب حين يخذله الواقع.
(4)
في إحدى الأمسيات، وبينما كانت ليلى تنظر إلى مياه النيل المتلألئة، سألها عمر:
“ما الذي يجعلك حزينة أحيانًا؟”
تنهدت وقالت:
“أحيانًا أشعر أنني أبحث عن شيء لا أعرفه... كأن هناك فراغًا بداخلي لم أجد ما يملؤه.”
نظر إليها عمر وقال بصوت هادئ:
“ربما لم تجدي الشيء الصحيح بعد... أو ربما هو أقرب مما تتخيلين.”
نظرت إليه، وشعرت أن كلماته تلمس شيئًا عميقًا بداخلها.
(5)
مرت الأيام، وأصبح وجودهما في حياة بعضهما أمرًا لا مفر منه. كانا يتشاركان اللحظات الصغيرة: كوب القهوة الصباحي، نكتة عابرة، رسالة قصيرة في منتصف الليل.
وذات يوم، وبينما كانت ليلى تقلب صفحات دفترها الصغير، وجدت ورقة لم تكتبها. كانت بخط يد عمر:
“هناك لحظات في الحياة نشعر فيها أن القدر يرشدنا نحو شخص ما... وأنتِ كنتِ تلك اللحظة بالنسبة لي.”
توقفت أنفاسها للحظة، ثم رفعت رأسها، لتجده واقفًا أمامها، وعيناه تحملان كل الكلمات التي لم يقلها بعد.
(6)
لم يكن الحب بينهما عاصفًا كالأفلام، لكنه كان مثل النيل: هادئًا، عميقًا، وأبديًا.



