حنظلة بن أبي عامر
الميلاد والنشأة
حنظلة بن أبي عامر، الأنصاري الأوسي، أحد الصحابة الكرام الذين خُلّدوا في ذاكرة الإسلام. وُلد في المدينة المنورة لأسرة ذات مكانة، فوالده أبو عامر الراهب، كان من رجال الدين المعروفين في الجاهلية، ثم أصبح من ألدّ أعداء الإسلام بعد ظهوره، وخرج إلى الشام محاربًا للدعوة النبوية.
لكن حنظلة خالف أباه، وآمن بالنبي محمد ﷺ، ووقف منذ البداية في صف الإسلام، مجسدًا الإيمان المستقل عن الموروث القبلي والعائلي.
ليلة الزفاف... ونفير الجهاد
تروي كتب السيرة أن حنظلة تزوّج جميلة بنت عبد الله بن أبيّ بن سلول، في ليلة سبقت غزوة أحد. وبعد أن دخل بها، سمع منادي الجهاد يدعو المسلمين إلى القتال، فهبّ حنظلة ملبّيًا النداء دون أن يغتسل من الجنابة، وخرج مباشرة إلى ميدان المعركة، مؤثرًا الجهاد في سبيل الله على البقاء مع عروسه.
الاستشهاد في أحد
قاتل حنظلة قتال الأبطال في غزوة أحد (السنة الثالثة للهجرة)، وتمكّن من الوصول إلى قائد قريش أبي سفيان بن حرب وكاد أن يقتله، إلا أن أحد فرسان قريش باغته من الخلف فاستشهد.
وتذكر الروايات أن الذي قتله هو شداد بن الأسود، بينما كانت نية حنظلة واضحة: إما النصر أو الشهادة.
كرامة غسيل الملائكة
بعد المعركة، أعلن النبي ﷺ لصحابته:
"إن صاحبكم تُغسّله الملائكة بين السماء والأرض"
فسألوا زوجته، فقالت: "خرج وهو جنب"، فكان رد النبي ﷺ: "لذلك غسلته الملائكة".
ومن هنا لُقّب بـ"غسيل الملائكة"، في مشهد من أنقى مشاهد التكريم السماوي لشهيد خرج نقي السريرة، صادق العهد، طاهر الجسد والنية.
حنظلة... رمز الطهر والبطولة
حنظلة هو واحد من أولئك الذين لا يموتون، لأنهم يتركون أثرًا خالدًا في وجدان الأمة.
لم يكن مجرد محارب، بل رمزٌ للفداء والإخلاص. خرج من دفء الفراش إلى لهيب المعركة، ومن حضن العروس إلى ساح الوغى، تاركًا وراءه كل لذائذ الدنيا، ليسجل اسمه بين الصفوة.
وفاته ومثواه
استُشهد حنظلة في غزوة أحد، ودفن إلى جوار الشهداء على سفوح جبل أحد في المدينة المنورة، لتكون تربته شاهدة على إخلاصه.
خاتمة
قصة حنظلة ليست مجرد حادثة تاريخية، بل درس خالد في الصدق والولاء والتجرّد لله. لقد أحب الله فأحبّه الله، فأرسل له ملائكته تُغسّله، وكأن السماء تقول:
هكذا يكون الشهيد الطاهر... وهكذا تُخلّد الأسماء.
