⚔️ الحاجب المنصور: القائد الذي لم يُهزم
⚔️ الحاجب المنصور: القائد الذي لم يُهزم
ولد محمد بن عبد الله بن أبي عامر، المعروف بـ الحاجب المنصور، عام 327 هـ (938 م) في مدينة الجزيرة الخضراء جنوبي الأندلس، ونشأ في كنف أسرة متوسطة الحال. أظهر منذ صغره نبوغًا في الفقه والأدب، فانتقل إلى قرطبة حيث تعلّم في جامعتها الشهيرة، ثم التحق بخدمة القصر الأموي، فبدأت رحلته من كاتبٍ بسيط إلى أعظم رجال الدولة.
بذكائه ومهاراته الإدارية، ترقّى في المناصب بسرعة حتى أصبح الحاجب – أي الوزير الأعلى – للخليفة هشام المؤيد بالله، وهو لا يزال فتىً يافعًا. وبهذا أصبح محمد بن أبي عامر الحاكم الفعلي للأندلس، بينما بقي الخليفة رمزًا شكليًا.
ورغم حساسية موقعه، لم يكن منصبه الإداري ليشبع طموحه. فقد عمل على إعادة بناء الجيش الأندلسي وتطويره، وأشرف على تنظيم الحاميات، وتحسين التمويل، وتسليح الجند. ثم بدأ سلسلة من الغزوات السنوية ضد الممالك المسيحية في الشمال، وكان شعاره أن "كل عام يجب أن يُرفع راية النصر".
ومن أبرز معاركه:
غزوة برشلونة عام 985 م، حيث دخل المدينة منتصرًا.
غزوة شنت ياقب، المدينة المقدسة لدى الإسبان، والتي لم يجرؤ على غزوها أحد قبله.
أكثر من 50 حملة عسكرية لم يُهزم في واحدة منها، وهذا ما جعله يُلقب بـ "المنصور بالله".
وإلى جانب إنجازاته العسكرية، كان المنصور إداريًا فذًا، حافظ على الأمن، وأقام العدل، وأصلح الطرق والقنوات، واهتم بالعلم، وشجّع العلماء. لكنه في الوقت نفسه ألغى دور الوزراء الآخرين، وأضعف نفوذ بعض الأسر الأندلسية الكبرى، مما خلق له أعداء كثر داخل الدولة.
في عام 392 هـ (1002 م)، تُوفي الحاجب المنصور في بلدة سالم شمالي طليطلة أثناء عودته من إحدى الغزوات، ودُفن هناك. وقد نُقش على قبره بيت الشعر الشهير:
آثاره تنبيك عن أخباره
حتى كأنك بالعيان تراهُ
تالله لا يأتي الزمان بمثله
أبدًا، ولا يحمي الثغورَ سواهُ
خاتمة:
كان الحاجب المنصور تجسيدًا نادرًا للعبقرية السياسية والعسكرية في آن واحد. حفظ وحدة الأندلس في زمنٍ كانت فيه على شفا الانهيار، وحقق مجدًا لا يُضاهى في تاريخ المسلمين هناك. ولا يزال يُذكر في كتب التاريخ بوصفه القائد الذي لم يُهزم، وعلامةً فارقةً بين عصور القوة والضعف في تاريخ الأندلس.
