
المليونير المزيف الذي خدع فرنسا
في القرن الثامن عشر، كانت فرنسا مهدًا للثورات والأفكار الجديدة، لكنها كانت أيضًا مسرحًا لإحدى أغرب الخدع المالية في التاريخ، بطلها رجل يُدعى شارل دي بومارشيه، وهو ليس الكاتب الشهير، بل شخص آخر استغل الاسم، والظروف، ودهاءه الفريد ليسرق عقول النخبة الفرنسية... وجيوبهم.
بداية الحكاية؟
في عام 1785، ظهر رجل أنيق في شوارع باريس، يدّعي أنه من سلالة النبلاء الإسبان، وأنه يمتلك مناجم ذهب في أمريكا الجنوبية. كان يتحدث عدة لغات، يلبس أفخم الثياب، ويجيد الحديث عن السياسة، الاقتصاد، والفن. قدّم نفسه باسم "الكونت دي سان جيرمان"، وهو لقب ارتبط سابقًا بأسطورة غامضة، فاستغل ذلك لتعزيز غموضه وهيبته.
كيف بدأ رحلة الخداع؟
روّج الكونت المزيف لمشروع ضخم: شركة تعدين للذهب في البرازيل، تعِد بعوائد خيالية تفوق الخيال. عرض على المستثمرين أسهمًا في المشروع، بل أرسل لهم عينات "من الذهب الخام"، وتلقى تمويلًا ضخمًا من بنوك باريسية وشخصيات من الطبقة الأرستقراطية.
من شدة إقناعه، دعم بعض رجال البلاط الملكي مشروعه، بل وتمكّن من لقاء الملك لويس السادس عشر نفسه، الذي وافق سرًا على تمويل جزء من مشروعه لإنقاذ الاقتصاد الفرنسي المتدهور. لكن الحقيقة انكشفت حين أُرسل مبعوث للتحقق من المناجم، واكتشف أن كل شيء كذبة.
سقوط شارل دي بومارشيه.
لسوء حظه، أرسل أحد عملاء الدولة للتحقق من المناجم، واكتشف أن كل شيء كان وهمًا. لا مناجم، لا ذهب، ولا حتى أي وجود قانوني للشركة. تم القبض على "الكونت" قبل أن يهرب بأمواله إلى الخارج، وتمت محاكمته في باريس.
لكن المثير في القصة أن كثيرًا من كبار المستثمرين حاولوا التغطية على الفضيحة خوفًا على سمعتهم، مما جعل العقوبة التي نالها الرجل غير متناسبة مع حجم الجريمة. أُطلق سراحه بعد فترة قصيرة، ليختفي تمامًا عن الأنظار، ولا يُعرف حتى الآن هل مات في فرنسا... أم أكمل خداعه في بلد آخر.
هل يتكرر التاريخ؟
قد لا يظهر "كونت" جديد يحمل ذهبًا مزيفًا، لكن منصات العملات الرقمية، والمشروعات الاستثمارية الوهمية، والوعود الخيالية ما زالت تغري الناس حتى اليوم.