قصة بناء قناة السويس: شريان مصر الحيوي

قصة بناء قناة السويس: شريان مصر الحيوي

1 reviews

قصة بناء قناة السويس: شريان مصر الحيوي

تُعد قناة السويس واحدة من أعظم الإنجازات الهندسية في التاريخ الحديث، وواحدة من أبرز المحطات في التاريخ المصري الحديث. إنها ليست فقط ممراً مائيًا يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، بل قصة كفاح ودهاء وإرادة، وحلقة محورية أثرت في التجارة العالمية، والسياسة الدولية، ومكانة مصر على مدار أكثر من قرن ونصف.

الخلفية التاريخية

منذ العصور القديمة، كان المصريون يدركون أهمية الربط بين البحرين. في عهد الفراعنة، شُقّت قنوات بدائية تربط نهر النيل بالبحر الأحمر، لكن مع مرور الزمن واندثار تلك القنوات، برزت الحاجة إلى مشروع حديث يحقق هذا الربط الحيوي.

في القرن التاسع عشر، ومع ازدهار التجارة العالمية وظهور القوى الاستعمارية، أصبحت فكرة ربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر حلمًا استراتيجيًا عالميًا، خاصة لدى الأوروبيين الباحثين عن طرق أسرع إلى الهند والشرق الأقصى.

المشروع في عهد سعيد باشا

بدأت القصة فعليًا عام 1854، حين حصل المهندس والدبلوماسي الفرنسي فرديناند دي لسبس على امتياز من سعيد باشا، والي مصر آنذاك، لحفر قناة مائية عبر برزخ السويس. ورغم معارضة بعض القوى الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا، فقد بدأ العمل في المشروع عام 1859، واستمر قرابة عشر سنوات.

عمل في حفر القناة عشرات الآلاف من العمال المصريين، في ظروف شديدة القسوة، وتوفّي الآلاف منهم بسبب الأوبئة والإجهاد. ومع كل الصعوبات، تم افتتاح القناة رسميًا في 17 نوفمبر عام 1869، في احتفال مهيب حضرته شخصيات أوروبية بارزة، وكانت لحظة فخر كبيرة لمصر والعالم.

السيطرة الأجنبية

رغم أن القناة كانت على الأراضي المصرية، إلا أن امتيازات تشغيلها كانت تذهب في معظمها للشركات الفرنسية والأجنبية. ومع تزايد الديون على الخديوي إسماعيل، اضطر عام 1875 لبيع أسهم مصر في الشركة إلى الحكومة البريطانية، وهو ما مهّد لاحقًا لاحتلال بريطانيا لمصر عام 1882، بدعوى حماية مصالحها في القناة.

ظلّت قناة السويس تحت السيطرة الأجنبية لعقود، رغم أنها شُقّت بسواعد المصريين وعلى أرضهم، مما أثار غضب الحركة الوطنية المصرية على مدى سنوات طويلة.

التأميم والعدوان الثلاثي

في 26 يوليو 1956، اتخذ الزعيم المصري جمال عبد الناصر خطوة جريئة بتأميم قناة السويس، وجعلها تحت السيادة المصرية الكاملة. كانت هذه الخطوة ردًا على سحب الولايات المتحدة وبريطانيا تمويل مشروع السد العالي.

أثارت الخطوة غضب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، فشنّت الدول الثلاث عدوانًا عسكريًا على مصر فيما عُرف بـ"العدوان الثلاثي"، لكن صمود الجيش المصري، والدعم الدولي من الدول الكبرى مثل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، أجبر المعتدين على الانسحاب، وانتصر القرار المصري، ليُصبح تأميم القناة رمزًا للاستقلال والسيادة الوطنية.

قناة السويس الجديدة

في عام 2014، أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مشروعًا طموحًا لحفر قناة موازية لقناة السويس القديمة، بهدف توسيع حركة المرور وتقليل زمن عبور السفن. وبالفعل، تم افتتاح "قناة السويس الجديدة" في أغسطس 2015، في وقت قياسي لم يتجاوز العام الواحد.

جاء هذا المشروع ليعزز دور مصر كممر تجاري عالمي، وليؤكد قدرة المصريين على تنفيذ المشروعات الكبرى بأيديهم وإرادتهم.

أهمية القناة اليوم

تُعد قناة السويس اليوم واحدة من أهم الممرات الملاحية في العالم، حيث يمر بها حوالي 10% من حركة التجارة البحرية العالمية. وتُعتبر مصدرًا رئيسيًا للدخل القومي المصري، ودليلاً على عبقرية الجغرافيا والسياسة في موقع مصر.

 

---

خاتمة

إن قصة قناة السويس ليست مجرد قصة حفر ممر مائي، بل هي قصة كفاح، واحتلال، واستقلال، ونهضة. هي مرآة لما واجهته مصر من تحديات، وما حققته من إنجازات. وستظل القناة شاهدًا حيًا على عظمة الإنسان المصري، وقدرته على صناعة التاريخ بأدواته، وعزيمته، ورؤيته للمستقبل.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

0

followings

1

similar articles