
انتحار على الهواء: قصة كريستين تشوبوك المأساوية التي هزت الإعلام الأمريكي
في صباح يوم 15 يوليو 1974، شهدت الولايات المتحدة واحدة من أكثر اللحظات صدمة في تاريخ البث التلفزيوني، عندما أقدمت المذيعة كريستين تشوبوك على الانتحار أمام الكاميرات خلال بث مباشر. كانت تشوبوك تقدم برنامجًا صباحيًا محليًا في فلوريدا عندما أنهت حياتها بطلقة رصاص في الرأس، تاركةً وراءها أسئلة حول الضغوط النفسية في العمل الإعلامي وأخلاقيات تغطية العنف
وُلدت كريستين في 24 أغسطس 1944 في أوهايو، وبرزت منذ شبابها بشخصية طموحة ومثابرة. درست البث الإعلامي في جامعة بوسطن، وتنقلت بين عدة محطات تلفزيونية قبل أن تستقر في قناة WXLT-TV في ولاية فلوريدا، حيث كانت تقدم برنامجًا محليًا بعنوان Suncoast Digest. تميز البرنامج بطابع مجتمعي، وكانت كريستين ملتزمة بقيم الصحافة الحقيقية؛ تنبذ الإثارة الرخيصة، وتتمسك بالمهنية، وهو ما جعلها في صراع دائم مع إدارة القناة التي كانت تميل نحو المحتوى الدرامي والمثير، وفق سياسة إعلامية تُختصر بجملة "If it bleeds, it leads" – أي "إن كانت الأخبار دموية، فهي تتصدر".
لكن خلف الكاميرا، كانت كريستين تعاني من عزلة نفسية شديدة، وشعور مزمن بعدم الانتماء. لم تكن علاقاتها الاجتماعية قوية، ولم تحظَ بأي ارتباط عاطفي دائم. رغم ذكائها وموهبتها، كانت تشكك دائمًا في قيمتها، وتخفي وراء ابتسامتها حزنًا ثقيلًا لم يدركه من حولها. كانت قد خضعت لجلسات علاج نفسي، وألمحت سابقًا لرغبتها في الانتحار، إلا أن الأمر لم يُؤخذ على محمل الجد.
في صباح ذلك اليوم المشؤوم، جلست كريستين أمام الكاميرا، وبدأت تقديم فقرتها الإخبارية كالمعتاد، لكنها قرأت جملة لم تكن في النص المعد مسبقًا:
"تماشيًا مع سياسة القناة في تقديم أحدث أخبار الدماء والعنف، وبالألوان الحية، ستشاهدون الآن أول محاولة انتحار على الهواء مباشرة."
ثم أخرجت مسدسًا وأطلقت النار على نفسها أمام جمهور القناة. نُقلت إلى المستشفى، لكنها توفيت بعد ساعات. الحدث أثار صدمة وطنية، وسلط الضوء على أزمة نفسية حقيقية تعاني منها كريستين، وكثيرون مثلها، دون أن يشعر بهم أحد.
كشفت التحقيقات لاحقًا أن تشوبوك كانت تعاني من:
1. اكتئاب حاد: عانت من نوبات اكتئاب لسنوات، وسبق أن تحدثت عن الانتحار.
2. ضغوط مهنية: شعرت بأنها على وشك فقدان وظيفتها بسبب تقييمات البرنامج المنخفضة.
3. هوسها بتأثير العنف في الإعلام: كانت تنتقد تركيز الإعلام على الأخبار المثيرة، وكتبت سيناريو يشبه حادثة انتحارها قبل أيام من تنفيذها.
بعد الحادثة، فرضت العديد من المحطات قيودًا على البث المباشر، واهتمت أكثر بالصحة النفسية للموظف. ويقال أن المحطة دمرت الشريط الأصلي لكن بعض التقارير تشير إلى وجود نسخ سرية، لم تُنشر أبدًا.
قصة كريستين أعيدت سردها في أفلام مثل Christine (2016) وفيلم وثائقي بعنوان Kate Plays Christine. كلا الفيلمين حاول الغوص في دوافعها الإنسانية، وتقديم صورة غير نمطية عن الاكتئاب، بعيدًا عن السطحية أو الاستغلال.
قصة كريستين تشوبوك ليست مجرد حادثة مأساوية، بل تذكير صارخ بضرورة الاهتمام بالصحة العقلية في بيئات العمل عالية الضغط، خاصة في الإعلام. بينما تحولت قصتها إلى أسطورة في عالم الصحافة، تبقى دعوة للتعامل بجدية مع علامات الاكتئاب قبل فوات الأوان.