
قصة بناء سور الصين العظيم
إنّ قصة بناء سور الصين العظيم ليست قصة واحدة، بل هي حكاية آلاف السنين من العمل الشاق والتضحيات الجسيمة، وحكاية تعاقب الأسر الحاكمة التي كان لكل منها بصمته في هذا الإنجاز الضخم.
البدايات: مملكة تشين
تبدأ القصة الحقيقية في القرن الثالث قبل الميلاد، وتحديدًا مع ظهور الإمبراطور تشين شي هوانغ، أول إمبراطور وحّد الصين. كانت الممالك الصينية التي سبقت تشين قد بنت بالفعل أجزاء متفرقة من الجدران الدفاعية لحماية حدودها من غزوات القبائل الشمالية، مثل قبائل شيانغنو البدوية.
لكن تشين شي هوانغ كان لديه رؤية أكبر. فبعد توحيد الصين، أمر بربط تلك الجدران المتفرقة وتمديدها لتشكل جدارًا ضخمًا ومتواصلًا. كانت هذه المهمة ضخمة ومجهدة، فقد تم تجنيد مئات الآلاف من الفلاحين والجنود والمجرمين لبناء السور. عمل هؤلاء العمال في ظروف قاسية، حيث كان عليهم التعامل مع التضاريس الوعرة، والطقس المتطرف، ونقص الغذاء، مما أدى إلى وفاة عدد كبير منهم. ولذلك، غالبًا ما يُطلق على السور اسم "أطول مقبرة في العالم".
تطور السور عبر الأسر اللاحقة
بعد وفاة الإمبراطور تشين، استمر العمل على السور عبر الأسر الحاكمة التي تلته، مثل أسرة هان وأسرة سوي. قامت هذه الأسر بتوسيع أجزاء من السور وتقويتها، وأضافت إليه أبراج المراقبة وقلاعًا جديدة. كانت هذه الإضافات ضرورية لمواكبة التهديدات المتغيرة من القبائل الشمالية.
لكن العصر الذهبي لبناء السور وتطويره كان في عهد أسرة مينغ (من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر). كانت أسرة مينغ هي المسؤولة عن بناء معظم الأجزاء التي نراها اليوم. استخدم مهندسو هذه الأسرة مواد أكثر متانة مثل الطوب والحجر، وبنوا أبراجًا وقلاعًا أكثر قوة، مما جعل السور أكثر فاعلية في صد هجمات المغول والقبائل الأخرى. خلال هذه الفترة، لم يكن السور مجرد جدار دفاعي، بل كان نظامًا عسكريًا متكاملًا يتضمن أبراجًا لإرسال الإشارات النارية، وثكنات للجنود، وممرات لنقل الإمدادات.
رمز الصمود والعظمة
وهكذا، لم يكن بناء سور الصين العظيم عملًا فنيًا أو هندسيًا انتهى في يوم وليلة، بل كان مشروعًا استمر لقرون طويلة، وعملت فيه أجيال وأجيال من الصينيين. إنه يروي قصة إصرار شعب على حماية أرضه، وقصة تضحيات لا تُحصى، ليصبح في النهاية رمزًا عظيمًا للقوة والصمود الصيني.