حينما اجتمعت القلوب في وجه العاصفه

حينما اجتمعت القلوب في وجه العاصفه

1 reviews

قصة حب خلف الجبال: حينما اجتمعت القلوب في وجه العاصفة
بقلم: محمد سامي 

في قلب جبال الأطلس الشاهقة، حيث يعانق الجليد قمم الصمت، وتهب الرياح وكأنها تحمل أسرار القرون الماضية، نشأت قصة حب فريدة من نوعها… لم يكن أبطالها يبحثون عن الحب، بل عن النجاة.

اللقاء الذي لم يُخطط له
ليلى، صحفية مستقلة من الدار البيضاء، كانت في مهمة ميدانية لتوثيق أوضاع سكان المناطق النائية خلال فصل الشتاء. سافرت إلى قرية نائية تُعرف باسم "إغيل"، مصممة على خوض المغامرة رغم تحذيرات الطقس.

وفي الليلة الأولى من وصولها، اندلعت عاصفة ثلجية عنيفة قطعت الطرق وأوقفت الاتصالات. استضافتها عائلة محلية بسيطة، وهناك تعرفت على يوسف، مرشد جبلي تطوّع لإرشادها عند الحاجة. بدا هادئًا، خبيرًا بالطبيعة، قليل الكلام… لكنها شعرت أن بين عينيه قصة لم تُروَ بعد.

انفصال عن العالم
في اليوم التالي، وبينما كانت تحاول العودة، انهار جسر ترابي صغير خلفها بفعل الأمطار والثلوج، ففُصلت عن طاقمها في الجهة المقابلة. لم يكن هناك تغطية هاتفية، ولا طريق بديل.

اقترح يوسف طريقًا جبليًا بديلاً يمر عبر ممرات وعرة لا يعرفها إلا السكان المحليون، لكن الرحلة قد تستغرق يومين سيرًا على الأقدام وسط درجات حرارة تلامس الصفر. وافقت ليلى، وبدأت المغامرة.

بين الحياة والموت
لم تكن الرحلة مجرد تحدٍّ جسدي، بل اختبار نفسي حقيقي. في اليوم الأول، انزلقت ليلى على صخرة مغطاة بالجليد وكادت تسقط في منحدر خطير لولا أن أمسك بها يوسف في اللحظة الأخيرة، مما تسبب له في تمزق عضلي في كتفه الأيسر.

في الليل، احتميا بكهف صغير تحت الصخور. لم يكن لديهما سوى بطانيتين وجزء من طعام مجفف. بدأ يوسف يرتجف بسبب الألم والبرد. أشعلت ليلى النار بصعوبة من الحطب الجاف وخلعت معطفها لتغطيه. في تلك الليلة، لم يتحدثا كثيرًا… لكن الصمت بينهما كان أبلغ من الكلام.

تجارب لا تُنسى
في اليوم الثاني، واجها ذئبًا جبليًا من بعيد. لم يكن عدائيًا، لكنه ظل يراقبهما لفترة طويلة. يوسف، رغم إصابته، استخدم عكازه الخشبي وسكينًا صغيرة ليصنع رمحًا بدائيًا لحماية ليلى. مرت اللحظات ببطء شديد، لكن الذئب انسحب.

وفي محطة أخرى، مرّا على بيت طيني مهجور، تركه أحد الرعاة منذ سنوات. قضيا الليل فيه، وبدأ يوسف يعاني من الحمى. اضطرت ليلى للبحث عن نباتات طبية من ما تعلمته من إحدى نساء القرية سابقًا، وغلت ماء الثلج لعلاجه. كانت ترى رجلاً قويًا يضعف أمام عينيها، وتشعر أنها لم تعد فقط صحفية توثق الحدث، بل أصبحت جزءًا من القصة نفسها.

العواقب النفسية والإنسانيه

بحلول اليوم الثالث، وصلا إلى قرية صغيرة، حيث تمكنا أخيرًا من استخدام الهاتف. لم يكن ذلك نهاية المغامرة، بل بداية لما تركته العاصفة من أثر داخلي يصعب محوه.

ليلى، التي اعتادت أن تكون مراقبة من بعيد، وجدت نفسها وقد أصبحت جزءًا من حياة إنسان غريب لم يكن في خططها أن تلتقيه. ويوسف، الذي عاش عمره بين الصخور والثلوج، أدرك لأول مرة أن قلبه لم يعد حصنًا مغلقًا كما كان.

عندما جاء فريق الإنقاذ أخيرًا، كان من المفترض أن ينتهي كل شيء هناك: ليلى تعود إلى الدار البيضاء لتكتب تقريرها، ويوسف يرجع إلى جباله. لكن شيئًا ما لم يسمح لهما بالوداع.

ما بعد العودة

مرت أسابيع، وكتبت ليلى مقالًا عن رحلتها بعنوان: "حينما تعلّمك الجبال معنى الحياة". كان المقال مختلفًا عن كل أعمالها السابقة؛ لم يكن مجرد توثيق للبرد والجوع والخوف، بل حديثًا عن إنسان أنقذها بإنسانيته، وعلّمها أن أحيانًا أقسى الظروف هي التي تفتح أدفأ القلوب.

يوسف، الذي لم يقرأ الصحف يومًا، وجد نفسه بين صفحاتها بطلًا صامتًا، وتفاجأ حين جاءه أحد أبناء القرية يقرأ له كلماتها. لم يعلّق، لكنه شعر أن دفء تلك الليلة في الكهف لم يكن من نار الحطب وحدها.

اللقاء من جديد

بعد شهرين، عادت ليلى إلى "إغيل"، ولكن هذه المرة ليس كصحفية. حين رآها يوسف عند مدخل القرية، لم يتحدث، فقط ابتسم ابتسامة صغيرة كانت كافية لتذيب ما تبقى من جليد بينهما.

لم يكن هناك اعتراف صريح، ولا وعود وردية، لكنهما علما أن ما جمعته العاصفة لا يمكن أن يفرّقه الهدوء.

الخاتمة

في جبال الأطلس، حيث يظن الناس أن الحياة لا تعطي سوى البرد والقسوة، وُلد حب بصمت… حب لم يبدأ بكلمة، بل بإنقاذ، وصمود، ونظرة صادقة وسط العاصفة.

كانا يدركان أن الطريق أمامهما لن يكون سهلاً، لكنه لم يعد يخيفهما، لأنهما عرفا أن قلبيهما حين اجتمعا خلف الجبال، لم يعد شيء قادرًا على تفريقهما.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

2

followings

1

similar articles