"الولد الذي روّض الرياح… كيف أنقذ العلم قرية من العطش"

"الولد الذي روّض الرياح… كيف أنقذ العلم قرية من العطش"

0 reviews

الولد الذي روّض الرياح وأخرج الماء من باطن الأرض

في إحدى القرى الإفريقية الفقيرة، حيث البيوت البسيطة المصنوعة من الطين وسقوف القش، كان الناس يعيشون حياة قاسية يطاردهم العطش والجفاف. فالمطر ندر، والأرض تشققت من شدة الجفاف، والآبار جفّت إلا قليلاً منها. صار الحصول على الماء مهمة يومية شاقة، تضطر النساء والأطفال للسير أميالاً حاملين أوعية ثقيلة، فقط من أجل جرعة ماء تروي عطش العائلة.

في هذه القرية وُلد طفل اسمه ويليام. لم يكن يملك مالاً ولا ترفاً، لكنه امتلك شيئًا أهم: عقل فضولي وقلب مليء بالإصرار. أحب المدرسة رغم بساطتها، وأكثر ما أحبه فيها مكتبتها الصغيرة. هناك وجد عالمًا مختلفًا عن واقعه؛ عالماً مليئاً بالعلم والمعرفة. كان يقضي ساعات يقرأ عن الكهرباء، والرياح، والميكانيكا، حتى بدأت الأفكار تدور في رأسه بلا توقف.

مع اشتداد أزمة المياه، بدأ السؤال يطارده: هل من الممكن أن نصنع نحن بأيدينا وسيلة لإخراج الماء من باطن الأرض؟ لم يكن السؤال بسيطاً في نظر غيره، لكنه في عينيه كان مفتاحاً للحياة. قرأ في أحد الكتب عن المراوح وتوربينات الرياح، وكيف تتحول طاقة الهواء إلى قوة قادرة على تشغيل مضخات. شعر أن الفكرة قد تكون الحل لإنقاذ قريته.

عندما عاد إلى والده يشرح له ما قرأه، واجهته نظرة شك. الأب، وهو رجل بسيط أنهكه العمل في الحقول، قال له: "يا بني، هذه مجرد أوهام. نحن بحاجة إلى ماء الآن، وليس إلى أحلام لا تجلب لنا سوى الخيبة." كانت الكلمات قاسية، لكنها لم تقتل عزيمة الطفل، بل زادت من إصراره.

وفي وقتٍ آخر، زادت معاناته حين قررت شقيقته أن تهرب مع مدرسها تاركة رسالة قصيرة تخبرهم فيها أنها تبحث عن حياة أفضل بعيداً عن الفقر. كان الخبر صاعقاً للعائلة، وألقى بظلال من الحزن والغضب على الأب، الذي أصبح يرى أن ابنه يضيع وقته في أوهام بدلاً من مساعدة الأسرة.

لكن ويليام لم يستسلم. صار يجمع قطع الخردة من مكبّات النفايات: دينامو دراجة قديم، أنابيب صدئة، أسلاك نحاسية، وأخشاب متآكلة. بالنسبة له، هذه لم تكن نفايات، بل أدوات لبناء الحلم. جلس تحت ضوء القمر يركّب ويفكك، يجرّب ويخطئ ثم يعيد المحاولة، مراراً وتكراراً. كلما تعثّر، تذكّر أن حياة قريته كلها متوقفة على نجاح فكرته.

مرت الأيام، والناس يسخرون منه، يتهامسون: "لقد جنّ الصبي… ماذا سيفعل بمروحة خشبية؟" لكنّه لم يبالِ، فقد كان يرى بعينيه ما لا يراه الآخرون.

وأخيرًا، حين رأى الأب عزيمة ابنه التي لا تلين، قرر أن يمنحه فرصة، ربما من باب اليأس أو ربما لأنه بدأ يؤمن بأن خلف هذا الإصرار سرًّا ما. وقف الأب مع باقي أهل القرية يراقبون بينما صعد ويليام على البرج الخشبي الذي بناه بيديه، وثبّت عليه المروحة التي صنعها من الخشب والخردة.

هبّت الرياح، وبدأت الشفرات تدور ببطء، ثم أسرع دورانها. تحرك الدينامو، واهتزّت الأنابيب، وشيئًا فشيئًا خرجت أول قطرات الماء من البئر. ثم اندفعت المياه بقوة أكبر، لتملأ الأوعية وتروي الأرض العطشى. ارتفعت الصرخات في القرية، صرخات فرح وانبهار. الأطفال ركضوا يضحكون ويلعبون في الماء المتدفق، والأمهات لم يصدقن أعينهن.

الأب، الذي شكك طويلًا، وقف مذهولاً. عيناه امتلأتا بالدموع، ليس دموع الحزن هذه المرة، بل دموع الفخر. فهم في تلك اللحظة أن ابنه لم يكن يلعب، بل كان يحمل في قلبه أملاً أكبر من أن يُرى بالعين.

تحولت قصة ويليام إلى حديث القرية كلها، ثم إلى خبر وصل إلى العالم. صار رمزاً للأمل ولإصرار الإنسان على مواجهة المستحيل. قصته علّمت الجميع أن العلم ليس رفاهية، بل هو وسيلة للبقاء، وأن الأفكار العظيمة قد تولد في عقل طفل صغير لا يملك شيئًا سوى حلمه.

لقد أثبت أن الرياح التي كانت تمر دون أن يلتفت إليها أحد، يمكن أن تتحول إلى قوة حياة. بفضل عزيمته، عاد النبض إلى قريته، وتحول اليأس إلى أمل، وتحولت الأرض الجافة إلى خضراء. وصارت قصته درسًا خالدًا في أن الإيمان بالحلم والعمل الجاد قادران على تغيير الواقع مهما كان قاسياً.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

14

followings

3

followings

0

similar articles