
صلاح الدين الأيوبي فاتح القدس
صلاح الدين الأيوبي: من النشأة إلى الخلود
قصة صلاح الدين الأيوبي
وُلِد صلاح الدين يوسف بن أيوب عام 532 هـ (1138م) في مدينة تكريت بالعراق. نشأ في أسرة كردية عُرفت بالعلم والدين والشجاعة، وكان والده نجم الدين أيوب قائداً من قادة الدولة الزنكية. تربى صلاح الدين على حب الجهاد، وتعلّم الفروسية وفنون القتال منذ صغره، كما كان محباً للعلم والفقه، شديد التواضع، كثير العبادة.
دخل صلاح الدين الحياة العسكرية في خدمة نور الدين محمود زنكي، الذي كان قائداً عظيماً في الشام. فأظهر شجاعة وذكاءً جعلا له مكانة مرموقة بين القادة. وعندما توجّه نور الدين لقتال الصليبيين، كان صلاح الدين من أبرز جنوده.
كان صلاح الدين الأيوبي في صغره بعيدًا عن مظاهر اللهو والترف، فقد عُرف بحبه للعلم وحرصه على سماع الدروس الدينية، وخاصة الفقه والحديث. وقد تأثر بالعلماء الذين كانوا يرافقون والده وعمه، فجمع بين ثقافة المجاهدين وعلم الفقهاء.
حين تولّى الحكم في مصر بعد وفاة عمه شيركوه، لم يكن الأمر سهلاً، فقد واجه مقاومة من بقايا الدولة الفاطمية ومن المؤامرات الداخلية، لكنه استطاع بحكمته وحزمه أن يثبت أركان دولته. أعاد تنظيم الجيش، وأصلح أحوال البلاد، وأوقف الأموال على المدارس والمساجد، ليبني جيلاً قوياً في العقيدة والعلم.
توحيد المسلمين
كان صلاح الدين يرى أن المسلمين لن يستطيعوا مواجهة الحملات الصليبية إلا بالوحدة. لذلك عمل على ضمّ الشام بعد مصر، وتمكن من السيطرة على حلب ودمشق وحمص وحماة، حتى أصبحت معظم بلاد الشام تحت رايته. كان دائمًا يدعو إلى الجهاد، ويُذكّر الأمراء بخطر الصليبيين، ويحُثّ الناس على الالتفاف حول كلمة واحدة.
معركة حطين
في عام 583 هـ (1187م)، وقعت معركة حطين التي غيّرت مجرى التاريخ. استطاع صلاح الدين بخطته المحكمة أن يحاصر الصليبيين في منطقة حارة قليلة الماء، حتى أضعفهم العطش. ثم باغتهم بجيشه وألحق بهم هزيمة ساحقة، وأسر ملوكهم ومنهم ملك القدس غي دي لوزينيان، وأمير الكرك أرناط (أرناط دي شاتيون) الذي كان مشهورًا بالغدر والاعتداء على قوافل الحجاج المسلمين.
وعندما جيء بأرناط أسيراً إلى صلاح الدين، ذكّره بخيانته، ثم عاقبه بالقتل بنفسه، بينما أبقى على حياة الملك غي احترامًا لعهده كقائد. هذا الموقف أظهر عدالة صلاح الدين وحزمه مع الغادرين.
فتح القدس
بعد انتصار حطين، تقدّم صلاح الدين إلى القدس، فدخلها في 27 رجب 583 هـ، في ذكرى الإسراء والمعراج. وكان دخوله مغايراً لما فعله الصليبيون عند احتلالها قبل ذلك بتسعين عاماً، إذ سفكوا الدماء وملؤوا الشوارع قتلاً ودماراً. أما صلاح الدين فقد أعلن الأمان لأهلها، وسمح للنصارى بمغادرة المدينة مقابل فدية رمزية، وأطلق سراح من عجز عن دفعها. حتى إن كثيراً من المؤرخين الأوروبيين شهدوا بعدله ورحمته.
صلاح الدين في أعين أعدائه
لم يكن صلاح الدين قائداً عسكرياً فحسب، بل كان قدوة في الأخلاق. كان زاهداً في الدنيا، لا يجمع الأموال لنفسه، بل ينفقها في سبيل الله. وعند وفاته لم يُوجد في خزانته سوى 47 درهماً، رغم أنه كان سلطاناً عظيماً على مصر والشام واليمن. حتى أعداؤه من الصليبيين احترموه، فقد قال عنه المؤرخون الأوروبيون: "كان أعظم فارس في عصره، وأكثر الملوك عدلاً ورحمة."
وفاته وإرثه
توفي صلاح الدين في دمشق في 27 صفر 589 هـ (1193م)، بعد أن قضى حياته في الجهاد والإصلاح والوحدة. اجتمع الناس على جنازته من مختلف الأديان، حزناً على رجلٍ كتب اسمه في سجل العظماء بمداد من نور.