
مدينة هرقليون الغارقة.. حين ابتلع البحر أسطورة مصرية منسية
مدينة هرقليون الغارقة.. حين ابتلع البحر أسطورة مصرية منسية
مقدمة
لطالما أسرّ البحر أسرارًا لم نكتشفها بعد، وبين أمواجه تختبئ حكايات حضارات عظيمة اندثرت فجأة. ومن بين تلك الحكايات المدهشة، تبرز قصة مدينة هرقليون الغارقة، المدينة المصرية القديمة التي تحولت من مركز تجاري مزدهر إلى أطلال صامتة في أعماق البحر المتوسط. لقرون طويلة اعتُبرت مجرد أسطورة، حتى جاء اكتشاف مذهل قلب الموازين وأعاد إليها الحياة من جديد.
أسطورة أم حقيقة؟
ذكرت المصادر اليونانية القديمة أن هرقليون كانت ميناءً تجاريًا ضخمًا ومركزًا لعبادة الإله آمون. كانت البوابة التي يدخل منها التجار والرحالة إلى مصر، ومكانًا يعج بالحياة والثراء. لكن مع مرور القرون، اختفى كل أثر لها حتى شك المؤرخون في وجودها، واعتقد البعض أنها لم تكن سوى خيال أسطوري.
الاكتشاف المذهل
في عام 2000، وبينما كان فريق من علماء الآثار بقيادة الفرنسي فرانك جوديو يجري أبحاثًا تحت مياه خليج أبي قير بالقرب من الإسكندرية، حدثت المفاجأة. فقد عُثر على بقايا مدينة كاملة غارقة تحت الماء:
- مبانٍ حجرية ضخمة.
- معابد وأعمدة معمارية مذهلة.
- عملات ذهبية ونحاسية محفوظة بشكل رائع.
- سفن خشبية تعود إلى أكثر من ألفي عام.
لقد كان المشهد أقرب إلى العثور على أطلانتس المصرية، وأثبت أن الأسطورة التي تحدث عنها القدماء لم تكن مجرد خيال.
لماذا غرقت هرقليون؟
لا يزال الغموض يحيط بسبب غرق المدينة. يعتقد العلماء أن عدة عوامل اجتمعت لتؤدي إلى نهايتها:
- زلزال مدمر ضرب المنطقة.
- موجات تسونامي قوية اجتاحت السواحل.
- هبوط أرضي مفاجئ في التربة الطينية الهشة تحتها.
ومهما كان السبب الحقيقي، فقد اختفت المدينة المزدهرة في لحظات، ودفنتها أمواج البحر لقرون طويلة.
كنوز تحت الأعماق
الاكتشافات التي أخرجها الغواصون من أعماق البحر لا تُقدّر بثمن. من أبرزها:
- تماثيل ضخمة لآلهة مصرية ما زالت ملامحها واضحة.
- أوانٍ وأدوات كانت تستخدم في الحياة اليومية.
- شواهد حجرية منقوشة بالخط الهيروغليفي.
هذه الكنوز لم تكن مجرد آثار، بل شهادة حية على حضارة كانت في يوم من الأيام بوابة مصر البحرية إلى العالم.
الدرس الذي تركته المدينة
قصة هرقليون لا تقتصر فقط على كونها مدينة غارقة، بل هي تذكير قوي للبشرية بأن الحضارات مهما بلغت من قوة وثراء يمكن أن تنهار فجأة إذا لم تنتبه للطبيعة من حولها. تشير الدراسات إلى أن المدينة غرقت بفعل هبوط الأرض والزلازل والفيضانات، وهو ما يوضح لنا أن الكوارث الطبيعية كانت دومًا عاملًا مؤثرًا في مسار التاريخ.
هذا الدرس يعكس فكرة مهمة: لا شيء ثابت للأبد، فالمجد والقوة والسلطة قد تنهار في لحظة واحدة. وربما لهذا السبب يظل اسم هرقليون حاضرًا في ذاكرة المؤرخين وعلماء الآثار، لأنه يجسد العلاقة بين الإنسان والبيئة، وبين الحضارة والزمن.
كما أن اكتشافها بعد قرون طويلة يفتح الباب أمامنا للتفكير: كم من المدن الأخرى لا تزال مطمورة تحت الأرض أو أعماق البحار، في انتظار أن تكشف عن أسرارها وتعيد كتابة التاريخ من جديد؟