
قصة آش احدى حاكمات الفليريورد
كانت ستتزوج من كل قبيلة رجل، وحين قُتلت أمها وكل قبيلتها، ووجدت قوس أڤيروس الملكة الأسطورية، تغيّرت حياتها تمامًا. من هي؟ وماذا حدث لها؟ هذا ما سنحكي الآن.

اليوم نتحدث عن محاربة، عن قائدة، عن حاكمة يمكننا أن نحتسبها ملكة، موطنها أرض فليريورد الباردة، اليوم نتكلم عن آش. تنحدر آش من سلالة أتت من شمال فليريورد، وفي هذه الأرض تجد أن الغارات الوحشية بين القبائل والحروب الدامية بين العشائر مثلها مثل الرياح المتجمدة الصارخة وبرد التندرا القارص. شيء طبيعي، جزء أساسي من المناظر الطبيعية. وفي هذه البيئة البديعة الخلابة، وُلدت آش وحيدة أمها "جرنة". وجرنة كانت زعيمة حاكمة لقبيلة أفرُوسية صغيرة. وُلدت آش لتكون من "الأيسبورن" الذين سُمّوا بـ "أهل ثلج". هم طائفة من أهل فليريورد يتميزون بقدرتهم على تحمّل "الثلج الحق"، وهذا الثلج إن حاول أي شخص عادي أن يمسكه بيده تجمّدت يده من شدّة برودته ونقائه. وبعد ما وُلدت آش، ظنّ الجميع في قبيلتها أنها ستسير على خطى أمها لتصبح زعيمة للقبيلة بعد عمر طويل. إلا أنّ هذا المجد العظيم لم يكن في طموح آش، بالعكس؛ حيث كان نسبها الحربي وقدراتها الفائقة للطبيعة هما ما جعلا آش تشعر بالعزلة والوحدة. لم تجد آش ونيسًا حقيقيًا في طفولتها أو صداقة حقيقية إلا مع فتاة من قبيلة أخرى كانت أيضًا من قوم ثلج.
هذه الفتاة هي "سادچواني"، وكانتا تجتمعان في رحلات الصيد الصيفية عند صخور "أونكال"، وكانت صداقتهما قوية، ولكن مع الأسف لم تطُل هذه الصداقة وانقطع الوصل بين آش وسادچواني حين وصلتا إلى سن المراهقة. السبب أنّ مشكلة حدثت بين أم آش وجدّة سادچواني، وكونهما زعيمتي القبيلتين؛ فقد انقطعت العلاقة بين القبيلتين، وخسرت آش أنيسَتها وصديقتها الوحيدة. أمّا جرنة فقد خسرت أكثر من ذلك؛ فقد خسرت تحالفًا كان ذا فائدة وقيمة لقبيلتها، وبدأت تشعر بثقل الزمان وأنّ شبابها يضيع، وأنّ أيامها الذهبية ولّت. لذا بدأت جرنة سعيها الطويل للوصول إلى عرش أفرُوس، محاولةً بذلك تأمين نفسها وتأمين قبيلتها؛ لأن عرش أفرُوس أسطورة يُقال عنها إنه مخزون من الكنوز والأسلحة والأدوات السحرية. كانت تأمل جرنة أنه إن عثرت عليه فسيعيد لأهلها وقبيلتها المجد الذي يستحقونه. لكن إيمان جرنة بالنبوءات والأساطير دفعها كثيرًا إلى المخاطرة، الأمر الذي جعل قبيلتها واهنة ضعيفة.
وحدثت الفاجعة؛ أثناء غارة خطيرة غير ضرورية على أراضي قبيلة أخرى، قُتلت جرنة ومعها أغلب قبيلتها. وحيدة مهددة بالخطر من كل جانب، قررت آش أن تتبع آخر خريطة تركتها لها أمها، والتي قادتها إلى نهر جليدي مهجور، وهناك حدثت المعجزة. وجدت آش قبر أفرُوس وفيه قوسه السحري العظيم، المصنوع من "الثلج الحق"، والذي استخدمته آش لتثأر لموت أمها. وبعد أن ثارت آش لموت أمها وقبيلتها، قررت أن تتجه غربًا، وفي رحلتها غربًا كانت تساعد كثيرًا من القبائل الصغيرة المتناثرة. سواء أكانت تفعل ذلك إحساسًا منها بالمسؤولية لأن القيادة تسري في دمها، أم لأنها كانت حقًا وحيدة؛ ففي كلتا الحالتين اكتسبت آش سمعة طيبة بين كل هذه القبائل البسيطة. ووجدت كثيرًا من هذه القبائل يريد أن يتبعها متخذين إياها حاكمة لهم، خصوصًا وأن آش كانت ترفض وبشدة الاستعباد، الذي كان منتشرًا في القبائل الكبيرة في فليريورد.
فكل من أراد أن يصبح واحدًا من قبيلتها لم ترتضِ له الاستعباد أبدًا، بالعكس تمامًا. اختارت أن تتبنى هؤلاء المنبوذين اليائسين ليكونوا أفرادًا لهم حقوق كاملة في قبيلتها الجديدة، ولكن بشرط واحد: الولاء الحق. وهذه المعادلة التي حققتها آش، بكونها تحمل قوس أفرُوس، وترفض الاستعباد، وحاكمة شابة، جعلتها مشهورة بسرعة بين الكثير والكثير في فليريورد. دعوني أخبركم أن الشهرة تأتي بالكلام الكثير، والكلام الكثير يُعطينا الأساطير. سرعان ما أصبح الكثير في فليريورد يصدّقون أن آش ليست فقط حاملة قوس أفرُوس العظيم، بل هي الأسطورة نفسها، وآمنوا أن روح أفرُوس العظيمة بُعثت لهم في جسد هذه الحاكمة الشابة لتعيد توحيد فليريورد. وآش كانت... آه آه آه، ما علينا، أنتم تعرفون. لكنها كانت تعرف جيدًا أن هذه الحكايات والأساطير لا تُغني ولا تسمن من جوع، وكانت تعرف جيدًا أن أتباعها يريدون أفعالًا. خصوصًا أن مسيرتهم إلى الجنوب كادت أن تُصيبهم بمجاعة. لذلك استفادت آش واستغلت هذه الأساطير والحكايات التي لمعتها، واستغلتها في تشكيل تحالفات بينها وبين القبائل الجنوبية القوية والغنية. وعدتهم بتوحيدهم في أمة واحدة قادرة على مواجهة الممالك الخارجية.
ولكن تأتي التحالفات الجديدة بمخاطر قاتلة جديدة، وسرعان ما وجدت آش نفسها في قلب مشكلة سياسية، لأن المتعارف عليه بين زعماء القبائل الفليريوردية أن "أم المحاربين"، وهو اسم يُعطى للزعماء الإناث في فليريورد، عليها أن تتزوّج. وأعرف أن هذا توجه ذكوريّ سامّ، دعونا نرى ماذا ستفعل آش أمام هذا. طبعًا الموضوع صعب، لأنه يصعب على آش في مثل هذه الظروف أن تطالب بحقوق المرأة في هذا الصدد، هذا من جهة. ومن الجهة الأخرى، الأسوأ: أنها إن قبلت واتخذت زوجًا من إحدى القبائل سيُغضب ذلك سائر القبائل، فكأنها لم تفعل شيئًا. لن أخفي عليكم، هناك حل ثالث مقبول في فليريورد بأن الحاكمة يمكنها أن تتخذ العديد من الأزواج. رغم أن هذا الحل مصيبة لأسباب لن نتطرق إليها، إلا أن آش نفسها في عالم رونتيرا تعرف أن هذا ليس حلًا. لأن آش كانت تنظر إلى هذه المشكلة بشكل سياسي بحت، فكانت تعرف أنها إن اتخذت زوجًا من كل قبيلة فذلك لن يوحد القبائل في حكمها، بل إمّا سيحد من المشاكل قليلًا أو سيتسبب في خلافات أكبر بكثير، وكان ذلك هو الأغلب. بذكائها السياسي وجدت آش الحل لمشكلتها في فتى متشرد معدوم أتى من قبيلة جبلية كادت تُباد. هذا الصعلوك هو المحارب ترندامير. وفي الوهلة الأولى لم يكن مميزًا بأي شيء؛ فهو ليس رفيقًا أو وسيطًا للأرواح مثل “الإسبريت وكار” كاودين، وليس عنده أي قوة من عناصر الطبيعة. لكن بمجرد أن وصل إلى عاصمة آش الجديدة ألقى بنفسه في كل حلبة قتال وجدها، مستميتًا في القتال.
كان يقاتل ليثبت لكل من شاهدته عينه أنه هو وكل من تبقى من قبيلته يستحقون مكانة مرموقة في قبيلة كبيرة في فليريورد. لكن العنف والوحشية والبربرية التي أظهرها ترندامير في قتاله كانت أكثر مما هو متعارف عليه في فليريورد، لدرجة أن كثيرًا من القبائل اشتبهوا أن ترندامير ممسوس بسحر أسود. على عكس كل ذلك، وجدت آش فيه شيئًا يناسبها، وعرضت عليه أن تتبناه وما تبقى من قبيلته في قومها، بشرط واحد: أن يصبح زوجها الأول والأخير. طبعًا ترندامير وافق على مضض، غصبًا عن نفسه. لم يكن يريد الزواج لأنه لا يريد أن يربط نفسه سياسيًا بأي أحد، بل كان فقط يريد الاحترام له ولقومه. ولكنه كان يعرف أن الزواج السياسي سيضمن له ذلك، فوافق ضغطًا على نفسه. أنتم تعرفون أن هناك مقولة في مصر تقول: "الحب بييجي بعد الجواز"، ههههههه، وهذا ما حدث بالفعل. واشتعلت نيران الحب بين سعيد وسعيدة، وبهذا سجّلت آش هدفًا رائعًا في مرمى كل القبائل الجنوبية الفليريوردية، حيث إنها الآن أصبحت حاكمة أكبر تحالف بين القبائل الفليريوردية، وهو إنجاز لم يتحقق منذ أجيال بعيدة. ولقد جلبت السلام والسكينة لكل من حكمت. لكن هذا السلام لحظي، تهدده الأخطار الخارجية والمؤامرات الداخلية، والتحالف المعادي لقبيلة "مخلب الشتاء" التي أتت منها سادچواني. وكل هذا في كفة، وفي الكفة الأخرى أسطورة أفرُوس التي صدقها السامعون قبل آش. وآش بين هذا وذاك، ماذا ستفعل؟ هذا ما سنعرفه، ولكن في قصة أخرى.
وتذكروا دائمًا: للقصة بقية.