
رواية السماء لا تتسع لنا -الفصل الثانى ( الكاتبة علا ابراهيم)
السماء لا تتسع لنا 
خرجت أروى سريعًا من المطبخ لتتفاجأ بفاروق واقفًا أمامها… ومعه صديقه خالد.
تعرفه جيدًا… شاب طائش، عديم الاحترام.
منذ أن رأته أول مرة، وهي تشعر بضيق داخلي نحوه.نظراته الوقحة نحوها لا تخفى عليها، بل إنها زادت الآن بمجرد أن خرجت أمامهم.
آخذة فاروق إلى الأريكة الواسعة امام التلفاز ولاحظ فاروق نظرات صديقه أخيرًا، وظنة سعيد فابتسم بمشاكسة وقال:
— “إيه؟ نحضّر للسهرة؟”
هزّ خالد رأسه بابتسامة خبيثة، وهو ما زال يثبت عينيه على أروى، يتابع حركاتها باهتمام.
نظر له فاروق باستغراب، ثم التفت ليرى ما يشغل خالد…
لتقع عيناه على أروى، وهي تُحضّر الطعام على الطاولة، بخجل وتحفّظ.
تغيرت ملامح فاروق فجأة، وضاق صدره…
أعاد النظر إلى صديقه بنظرة حادة، ففهم خالد أنه قد انكشف.
اقترب منه قليلًا، وهمس بخبث:
— “البت دي جامدة أوي...”
نظر له فاروق بسخرية وقال بابتسامة ساخرة:
— “بقى هو دا ذوقك؟ ذوقك وحش أوي… وبعدين دي خدامة.”
ضحك خالد بخفة وقال:
— “خدامة… وفيها إيه يا عم؟! وبعدين من إمتى وانت بيهمك اللي قدامك خدامة ولا بنت أكابر؟”
فاروق كان معروف بتواضعه… لا يهتم كثيرًا بمنصب البنت أو مكانتها الاجتماعية.
إن أعجبته، يُظهر اهتمامه، ولو للحظة.
أكمل خالد وكأنه يدافع عن رأيه:
— “دي تتعيّب، والله…”
رد فاروق وهو يفكر بصوت مسموع:
— “بس إحنا ملناش في دول… إحنا بنشوف بنات تانية، وبنسهر معاهم.”
ثم أضاف وهو ينظر ناحية أروى:
— “وبعدين… ما ينفعش أسيبهالك. البنت دي محترمة.”
كان صوته فيه شيء من التفكير…
لأن أروى، بالفعل، مختلفة… محترمة، خجولة، تتحفظ على كل شيء، وهذا النوع يثيره ويجذبه أكثر من أي فتاة تندفع نحوه.
ضحك خالد بسخرية وقال:
— “محترمة؟! هو في بنات دلوقتي بقت محترمة يا سي فاروق؟!”
كان كلام خالد ثقيلًا على قلب فاروق.
رغم كل شيء، هو ليس مقتنع أن كل البنات متشابهات…
لكن خالد دائمًا ما يصوّر له أن لا فرق بين واحدة وأخرى.
وربما… ربما صدّقه قليلًا.
لكنه شعر بشيء داخله يضايقه، شيء لا يريد الاعتراف به.
فاروق لخالد بنبرة مستاءة، محاولًا إنهاء الحديث:
— “اشرب بقى… اشرب.”
لا يعرف لماذا ضاق من فكرة أن "الخادمة" أروى، التي لم يرَ منها سوى الخجل والاحترام…
قد تكون مثل باقي الفتيات اللواتي يسهر معهن خالد.
أخذ خالد الكوب، واحتسى منه وهو ينظر إلى فاروق بغيظ خفي.
يعلم تمامًا أن تلك الخادمة المحترمة تُكن مشاعر حب واضحة للطائش فاروق،
وربما هذا ما يجعلها تتحمل الوضع وتقبل أن تعمل كخادمة، رغم أنها ليست كذلك.
أما أروى…
فقد كانت تستمع لكل كلمة من مكانها.
لم تتخيل يومًا أن يصمت فاروق أمام حديث صديقه الوقح هكذا.
وذلك الصمت… جرحها.
الكاتبة: علا إبراهيم