"بروسبر أليماند: الطبيب والسياسي الفرنسي المعارض للإمبراطورية الثالثة"

بروسبر أليماند
(16 يوليو 1815 – 3 مارس 1901)
يُعدّ بروسبر أليماند واحدًا من الشخصيات البارزة في التاريخ السياسي الفرنسي خلال القرن التاسع عشر، فقد جمع بين مهنة الطب والنشاط السياسي، وتميّز بمواقفه الجريئة المعارضة للحكومات الاستبدادية، وبإسهامه في دعم المبادئ الجمهورية في فرنسا خلال فترات مضطربة من تاريخها الحديث.
وُلِد بيير ليجيه بروسبر أليماند في السادس عشر من يوليو عام 1815 بمدينة ريز في إقليم ألب-دو-هوت بروفانس بفرنسا. كان والده جان فرانسوا أليماند موظفًا صحيًا ورئيس بلدية، بينما كانت والدته ماري إليزابيث بواتفين سيدة من عائلة فرنسية معروفة. نشأ في بيئة مهتمة بالعلم والخدمة العامة، ما دفعه إلى دراسة الطب، حيث حصل على الدكتوراه عام 1841، ثم عُيِّن طبيبًا داخليًا في مستشفيات تولون المدنية عام 1845. تزوّج من نولي إليزابيث ريديلييه، وأنجب منها ابنه سيزار أليماند الذي سار أيضًا في طريق العمل العام.
عُرف أليماند بميوله الجمهورية ومعارضته الشديدة لحكم نابليون الثالث، إذ شارك في الثورة ضد انقلاب 2 ديسمبر 1851 الذي قاده لويس نابليون بونابرت. شارك مع مجموعة من المناضلين مثل شارل كوي وماريوس سوسيه، ما أدى إلى إدراج اسمه ضمن قوائم المنفيين إلى الجزائر. غير أنه عاد لاحقًا إلى العمل السياسي وفاز في انتخابات المجلس المحلي بمدينة لوفو-سور عام 1854.
واصل أليماند نشاطه المحلي، فانتُخِب عضوًا في المجلس البلدي لمدينة ريز عام 1860، ثم فاز بمنصب النائب العام في العام التالي بأغلبية ساحقة رغم دعم الحكومة لمنافسه، وأصبح رئيسًا للبلدية، حيث اشتهر بنزاهته واستقلاليته عن السلطة المركزية.
وفي 2 يوليو 1871، انتُخب نائبًا في الجمعية الوطنية بعد أن تخلى أدولف تيير عن مقعده، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته السياسية على المستوى الوطني. انضم أليماند إلى كتلة اليسار المعتدل، وصوّت ضد اتفاقية السلام مع بروسيا وضد الصلوات العامة وضد عودة الحكومة إلى باريس، ما جعله من أبرز وجوه المعارضة داخل البرلمان.
لم يتوقف نشاطه عند ذلك، ففي عام 1876 ترشّح لمجلس النواب عن دائرة ديني وفاز في الانتخابات، ثم أُعيد انتخابه عام 1877 بعد أن كان أحد النواب الجمهوريين الـ363 الذين تحدّوا حكومة دوق دي بروي خلال أزمة مايو الشهيرة. أظهر خلال تلك الفترة التزامه بمبادئ الحرية والمساواة، فصوّت لصالح قانون الطلاق وحقوق التجمع والعفو عن المشاركين في حركات الاحتجاج الثورية.
غادر أليماند الحياة السياسية عام 1881، لكنه استمر في التأثير من خلال مقالاته وخطاباته. وفي عام 1882 حصل على وسام جوقة الشرف تقديرًا لإسهاماته في خدمة الوطن. كما كتب في سنواته الأخيرة خطابًا دعم فيه الصحفي والسياسي جوزيف ريناك خلال دفاعه عن ألفريد دريفوس في القضية التي هزت فرنسا.
توفي بروسبر أليماند في 3 نوفمبر 1906 في مسقط رأسه بإقليم ألب-دو-هوت بروفانس عن عمر ناهز واحدًا وتسعين عامًا. وفي 6 سبتمبر 1909، أُقيم له احتفال رسمي في مدينة ريز لتدشين تمثال نصفي من نحت الفنان رويانْييه، وألقى السياسي الفرنسي أريستيد برينان كلمة أشاد فيها بمواقفه الوطنية ودفاعه عن قيم الجمهورية.
لقد مثّل أليماند نموذجًا للمثقف المناضل الذي جمع بين الطب والسياسة، وترك بصمته في تاريخ فرنسا الجمهوري بفضل مواقفه المبدئية ودفاعه المستمر عن العدالة والحرية.