طفٌل عاش أكثر مما ينبغي
قصة آدم
ُوِل َد آدم في السادس عشر من نوفمبر سنة ،2010 في ٍّ حي ٍّ شعبي ّ يضج بالأصوات والحياة، لكن في عينيه كان ّكل َّ م بالبدايات، بل ليُ ختبر بالوجع منذ الخطوة الأولى. ُولد لا ليُ كر ً شيء رماديا. كان البيت ً صغيرا، تحمله ٌ جدران أنهكها الزمن، يضم ً أبا ًطيبا، ً وأما يعلو وجهها ٌ حنان خافت، ً وأختا تكبره بأعوام. كانت ً الأيام تمضي بهدوء، وكان الطفل الصغير يرى العالم لوحة ً ملونة، لم يدرك بعد أن الألوان قد تبهت يوما. ✿✦✧✿✧✦✿✦✧✿✧✦ كبر آدم، والتحق ٍ بجمعية لكرة القدم. كانت الكرة حلمه، والميدان ملجأه من ضجيج الحياة. كل ٍهدف يسجله كان ً وعدا ّ ر القدر ً يوما. غير ّأن الغالء كان كالسيف ّ المسلط على والده، يدفع أقساط النادي بعرق ج
بينه، ً صامتا لنفسه أن يغي ًّا ً ، لا عادة. دون أن يشتكي. كان يفعلها حب ثم جاءت الإعدادية، ومعها ٌ مراهقة ٌ مبكرة كسرت براءة الطفولة. بدأ قلبه يعرف الارتجاف، وبدأ يبحث عن من يسمعه، من يحتضن روحه التي صارت تضيع في صمت البيت. هناك ظهرت إيمان — كأنها النور الذي ّ يتسلل إلى ُ شفى بالحب. كانت بالنسبة إليه ً مالذا، لكن المالذ ّ تحول ّ ها بعفوية ٍ طفل ّظن أن العالم يمكن أن ي ٍ غرفة مظلمة. أحب إلى مقبرة لألحالم.
في ٍ يوم عادي، رأى ما لم َّ يتمن أن يراه ً يوما. ٌ خيانة فادحة، ٌ طعنة جاءت من أقرب الناس. سقط قلبه على الأرض ولم ر أن ّ يجده بعد ذلك ً أبدا. عاد إلى البيت ً مكسورا، لا يتحدث، لا يصرخ، فقط ينزف بصمت. بكى حتى ّجفت الدموع، ثم قر ً يتعلم لغة جديدة — لغة الانتقام. ّ تعلم اختراق الحسابات والهواتف، ّكأنه يبحث عن ٍ طريقة لجرح من جرحه. ّنفذ انتقامه، واعتقد للحظة أنه استعاد كرامته، لكنه وجد نفسه يغرق أكثر. ً اكتشف متأخرا ّ أن الانتقام لا يطفئ النار، بل يغذيها.
ّ الذي هدم آخر جدارٍ في قلبه. كانت ثم عاد القدر ليختبره من جديد. ففي ٍ لحظة من لحظات الفضول، اكتشف السر ّأمه سقطت فوقه َّكذب. شعر أن الدنيا ُ — التي رآها ً يوما ً مالكا — تخون والده. لم ّ يصدق، لكنه رأى بعينيه ما لا ي ّ ا، والأم التي يفترض أن تكون الأمان، صارت مصدر الخوف والاشمئزاز. ً دفعة واحدة. ً صار البيت سجن انكمش في داخله، وانكسر. صار يكره البيت والضحك والصوت. لم يعد يرى في العالم سوى ٍ وجوه تخفي الكذب. رأى ّ رغم الخيانة، وأم ّ ه تمأل المكان كراهية، تشعل النيران ضد الرجل الصبور. ً أباه يحاول أن يبقى واقفا وذات ٍ يوم، بعد ٍ حادث ٍ غامض لم يفهمه حتى الآن، رأى نفسه يخرج من جسده. رأى ً نورا ً وظالما، ّجنًة ً وجحيما، وكأن هللا أراد أن يريه ً طرفا من الحساب قبل الأوان. عاد من تلك التجربة مريض القلب، منهك الجسد، كأنه ٌشيخ في جسد طفل
مرت السنوات، وصل إلى الثانوية، أراد أن يبدأ من جديد، لكن الماضي كان أطول من عمره. كلما حاول أن ينسى، ّ تذكره العالم ٍ بجرح جديد. حتى أقاربه ّصدقوا ما سمعوه عنه من أمه. صار يعيش ً غريبا وسط أهله، ً غريبا وسط ُ المدينة التي ولد فيها. ورغم كل شيء، بقي في داخله ضوء صغير لا ينطفئ. كان يسمع صوت أبيه القديم في ذاكرته يقول: ” ُ من ظلمك لا تجبه بالظلم، فالقلوب تشفى بالصبر لا بالانتقام.“ كان ينظر إلى السماء ويهمس: ”يا رب، اغفر لي... ً لقد كرهت أبي يوما، وكنت أظلمه دون أن أعلم.“
الطفولة المظلمة
آدم بكل ما يمكن أن يعيشه طفل صغير: الخيانة، الغدر، الألم، وفقدان الثقة بمن حوله. لكن رغم كل ذلك، تعلم مر ً درسا ً عظي
ما:
الطفولة المظلمة لا تمحو الأمل، لكنها تزرع في القلب حكمة لا تأتي إلا بالمعاناة. تعلم أن القوة الحقيقية ليست في الانتقام، بل في القدرة على الاستمرار، في القدرة على العيش بصدق رغم ما شاهده، في القدرة على رفع القلم وكتابة قصته ليشهد على واقعه. وأدرك أن النور يولد من أعماق الظالم، وأن من ينهض بعد الألم يصبح أقوى، وأكثر ً وعيا بما يستحقه قلبه وما يجب أن يبتعد عنه. الطفولة المظلمة ليست نهاية الطريق، بل بداية الحكمة التي تقود الإنسان نحو نفسه، نحو الحق، ونحو أمل لم يمت بعد.