قصة الفلاح الفصيح من التاريخ المصري القديم

قصة الفلاح الفصيح من التاريخ المصري القديم

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

قصة الفلاح الفصيح

تدور أحداث القصة في عهد الأسرة المصرية الثانية عشرة، وهي فترة ازدهرت فيها الكتابة والأدب وبرزت فيها فكرة ماعت (العدل والحق والنظام).

في هذه البيئة يظهر فلاح بسيط يُدعى خون-عنوب، يعيش في قرية بجوار وادي النطرون. كان رجلاً فقيرًا يعتمد على بيع منتجاته الزراعية ليعول أسرته. وفي أحد الأيام يقرر السفر إلى مدينة هيراكليوبوليس ليبيع بضائعه، متحمّلًا مشقة السفر على حماره الصغير.

image about قصة الفلاح الفصيح من التاريخ المصري القديم

وخلال رحلته، يصل الفلاح إلى ممر ضيق تمرّ منه قناة ماء تحيط بها أراضٍ زراعية لأحد كبار رجال الدولة ويدعى تحوتي-نخت، وهو موظف ثري معروف بجشعه واستغلاله للفلاحين.

يتعمد تحوتي-نخت سد الطريق أمام الفلاح عن قصد، ويدفع حماره حتى يقع في أرضه، ثم يتهمه بالتعدي على ملكيته، ويستولي على حمولة الحمار: القمح، والبردي، وبعض الأشياء البسيطة التي تمثل كل رأس ماله.

يدرك الفلاح أنه تعرّض لظلم فادح، وأن فقدان بضاعته يعني جوع أسرته. ومع ذلك لم يلجأ للعنف أو الصراخ، بل قرر أن يلجأ إلى العدالة. فتوجه إلى المدينة التي يحكمها المسؤول الكبير رنسي، وهو قاضٍ وإداري يعمل تحت سلطة الملك.

عندما وصل إليه، لم يصرخ الفلاح كما يفعل الناس عادةً، بل وقف وقفة ثابتة وألقى عليه شكوى بليغة فيها استعارات وتشبيهات تشبه الشعر، تحدث فيها عن معنى العدل والواجب الأخلاقي، وقال فيها إن الحاكم مثل النهر الذي يجب أن يروي الأرض بالعطف، وإن القاضي مثل الميزان الذي لا يميل إلا للحق.

أُعجب رنسي بشكواه لكنها كانت مختلفة جدًا، فقرر إرسال نص الشكوى إلى الملك نبت-حتب في قصره. وعندما سمع الملك خطاب الفلاح اندهش ببلاغته وأسلوبه الحكيم، فأمر رنسي ألا يعيد له حقه فورًا—بل يتركه يقدم المزيد من الشكاوى!

كان الملك منبهرًا بقوة الكلمة لدى الفلاح، فأراد أن يسمع منه المزيد، وربما أراد أن تتحول شكاويه إلى وثيقة تُدرَّس كنموذج للعدل والبلاغة.

فواظب الفلاح على تقديم شكوى وراء الأخرى، بإصرار لا ينقطع.

قدّم تسع شكاوى كاملة، كل واحدة أطول وأعمق وأكثر حكمة من التي قبلها.

كان يذكّر فيها القاضي بماعت، ويحذّره من الظلم، ويصف الحاكم بأنه يجب أن يكون ملجأ الضعفاء، وأن العدالة إذا غابت ضاع الوطن.

كانت كلماته تعبيرًا عن فلسفة المصريين في الحكم والأخلاق، وكأنها درس في السياسة والأدب معًا.

وبعد كل هذه المناشدات، وبعد أن جمع الملك ما يكفي من هذه النصوص الجميلة، أمر أخيرًا بأن يُردّ للفلاح حقه كاملًا، وأن يُعاقَب الظالم تحوتي-نخت. بل وأمر بمنح الفلاح هدايا تليق بحكمته وصبره.

عاد خون-عنوب إلى أسرته وقد تحوّل من رجل بسيط مظلوم إلى رمز للعدل والانتصار بالكلمة، وأصبحت قصته من أعظم القصص الأدبية التي تعبر عن روح مصر القديمة.

 

---

المغزى للقصة

تُظهر القصة أن المصري القديم عرف قيمة الخطاب وقوة الكلمة في مواجهة الظلم.

تؤكد أن العدل ليس رفاهية، بل أساسٌ لثبات الحكم.

تُبرز التناقض بين السلطة الجائرة والسلطة العادلة التي تتدخل لنصرة الضعفاء.

القصة تحوّلت إلى درس دائم في الصبر، الإصرار، عدم الخوف من السلطة، والثقة في الحق.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
خلود السيد اسماعيل تقييم 4.97 من 5.
المقالات

64

متابعهم

30

متابعهم

18

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.