قصة العين المقدسة ( عين حورس).
أسطورة العين المقدسة: قصة الغضب والتحول في مصر القديمة
في زمن بعيد، عندما كانت مصر تحكمها الآلهة ويشعر البشر بقوة السماء في كل يوم، عاش الإله رع، إله الشمس العظيم، الحاكم الأعلى للكون، عادلًا لكنه صارم. رع كان يراقب البشر بعين مفتوحة، يبتسم للصالحين ويغضب من الظالمين والمفسدين.
ومع مرور الزمن، بدأ البشر ينحرفون عن ماعت—أي العدالة والنظام الكوني—يخونون بعضهم، يسرقون ويظلمون، ويغفلون عن طاعة الآلهة.
أخذ الغضب يتراكم في قلب رع. لم يكن غضبًا شخصيًا، بل كان غضب الكون نفسه، لأنه يرى أن النظام ينهار. فقرر رع أن يرسل عينه المقدسة، قوة خارقة متجسدة في شكل إلهة الأسد سخمت، لتعيد النظام بالقوة.

سخمت: الغضب الإلهي
سخمت خرجت من جسد رع، عيناها متقدتان بالنار، ومخالبها حادة كالسيوف. تحركت عبر الأرض، وبدأت تصطاد المجرمين والفاسدين، وتزرع الرعب في القلوب. المدن خفتت منها، والحقول ارتجفت، والناس فرّوا هاربين من غضبها.
كل من حاول أن يخرق النظام أو يعتدي على ضعيف، كان يواجه قبضتها المدمرة. سخمت لم تعرف الرحمة، وكانت كل خطوة من خطواتها درسًا للبشر: الغضب الإلهي لا يمكن تجاهله.
لكن رع كان حكيمًا. عرف أن الغضب المفرط يمكن أن يدمر الأرض كلها، حتى من أحبهم. لم يكن يريد هلاك البشرية كلها، بل إصلاحها. لذلك قرر أن يجد وسيلة لتهدئة سخمت، وتحويل غضبها إلى طاقة إيجابية تعود بالنفع على البشر.
خطة تهدئة الغضب
استدعى رع أفضل حكمائه وكهنة حتشبسوت، وأمرهم بأن يخبزوا خمرًا بلون الدم الأحمر، ويصبه في الحقول والأراضي المفتوحة، ليشربه الأسد الإلهي.
كان الهدف أن يشبع سخمت، ليس بالموت أو القوة، بل بالمكر والذكاء، ليهدأ غضبها تدريجيًا.
وعندما وصلت سخمت إلى هذه الحقول، شمّت رائحة الشراب. توقفت عن قتل الناس، وشربت الشراب، وسرعان ما غلبها السكر. أصبح جسدها هادئًا، وعيناها اللتان كانتا متقدتين بالشدة، هدأتا. وهكذا بدأ تحولها من سخمت الغاضبة إلى حتحور الرقيقة، إلهة الحب والجمال والخصب.
حتحور: الرحمة والحماية
تحولت سخمت إلى حتحور، التي بدأت تمنح البشر الأمن والخصوبة، وتهب الخير للحق والصالحين. أصبح قلبها ممتلئًا بالرحمة، لكنها احتفظت بذكريات الغضب، لتكون تذكيرًا بأن العدالة لا بد أن تتحقق، وأن القوة لا تستخدم إلا في نصرة الحق.
بهذا التحول، أصبح البشر قادرين على العيش في سلام، محميين من الظلم، وموجهين إلى طريق ماعت.
الدروس والعبر
- العين المقدسة رمز القوة والعدالة: كانت العين قوة الإله على الأرض، تُظهر أن الغضب الإلهي موجود، لكنه قابل للتهدئة بالحكمة.
- الغضب والتحكم فيه: حتى الغضب الأعظم يمكن تحويله إلى قوة إيجابية إذا استخدمت الحكمة والذكاء.
- التحول من العقاب إلى الرحمة: مثلما تحولت سخمت إلى حتحور، يمكن للقوة أن تتحول إلى حماية وحب، إذا تحكمت بالوعي.
- الارتباط بالملك: العين المقدسة كانت ترتبط بحماية الملك، وكان يُنقش رمزها على التماثيل والمقابر لحماية الموتى من الشر.
- التوازن الكوني: الأسطورة تبرز أهمية التوازن بين القوة والغضب، والحب والرحمة، وهو مفهوم أساسي في الفكر المصري القديم.
الطقوس والاحتفالات المرتبطة بالأسطورة
- كان المصريون يقيمون طقوس السنة الجديدة للاحتفال بعودة العين المقدسة إلى الرضا، لضمان خصوبة الأرض وحماية الناس.
- كانت هذه الأسطورة تُستخدم لتعليم الشعب أن الغضب والعدالة يمكن أن يسيرا جنبًا إلى جنب، وأن قوة الإله لا تُمارس عبثًا، بل دائمًا في خدمة النظام الكوني.