قصة ايزيس واوزوريس وحورس
.أسطورة أوزوريس وإيزيس وست: قصة الخير والشر في الحضارة المصرية القديمة
مقدمة: الأسطورة التي شكلت وعي المصري القديم
تُعدّ أسطورة أوزوريس وإيزيس وست واحدة من أعمق وأهم الأساطير في التراث المصري، وذلك لأنها لم تكن مجرد قصة تُروى، بل كانت إطارًا فكريًا لفهم مفاهيم العدل والشر والموت والبعث. عبر هذه الأسطورة، أدرك المصري القديم سرّ توازن الكون، وكيف لا تستقيم الحياة إلا بانتصار “ماعت” – الحق والنظام – على قوى الفوضى.
أولًا: ميلاد الآلهة وبداية الخلق
1. أبناء السماء والأرض
ولد أوزوريس وإيزيس وست ونفتيس من اتحاد الإلهين جب (الأرض) ونوت (السماء).
كان لكل واحد منهم دور كوني:
- أوزوريس: رمز الحياة والخصب والحكم العادل.
- إيزيس: رمز السحر والأمومة والحكمة.
- ست: رمز القوة الجامحة والصحراء والعواصف.
- نفتيس: رمز الظلال والحدود.
2. تولّي أوزوريس حكم مصر
تروي النصوص القديمة أن أوزوريس أصبح ملكًا على مصر، فحوّلها من مجتمع بدائي إلى حضارة راقية، علّم الناس الزراعة والخبز والقوانين.
كان ملكًا نموذجيًا يجسد النظام الإلهي (ماعت)، وهذه المكانة أثارت حقد أخيه ست.
ثانيًا: خيانة ست وسقوط النظام
1. مؤامرة التابوت
خطط ست لقتل أخيه بحيلة ماكرة. صنع تابوتًا فاخرًا مطابقًا لجسد أوزوريس، وعرضه في وليمة أمام الآلهة، معلنًا أن من يطابق جسده هذا التابوت سيأخذه.
عندما استلقى أوزوريس بداخله، أغلق ست التابوت وألقاه في النيل.
كانت هذه اللحظة رمز سقوط النظام وبداية الفوضى.
2. رحلة التابوت إلى الشاطئ السوري
تحكي الأسطورة أن التابوت طفا حتى وصل إلى شاطئ جبيل (لبنان حاليًا)، حيث نما حوله شجر ضخم أحاط به.
هذا التفصيل مهم لأنه يوسع نطاق الأسطورة جغرافيًا ويظهر تأثيرها خارج مصر.

ثالثًا: رحلة إيزيس في البحث عن الجسد
1. إيزيس: الزوجة الوفية والأم الحامية
بعد اختفاء أوزوريس، بدأت إيزيس رحلة بحث طويلة جابت فيها أرجاء مصر.
في كل مكان كانت تترك أثرًا مقدسًا، مما أدى لاحقًا لانتشار عبادة أوزوريس في مناطق مختلفة.
2. العثور على التابوت والعودة إلى مصر
نجحت إيزيس في استعادة التابوت وإخفائه، لكن ست اكتشف الأمر، فأخرج الجسد وقطعه إلى أربعة عشر جزءًا ونثرها عبر البلاد.
3. جمع الأشلاء: رمز توحيد مصر
سافرت إيزيس ونفتيس في رحلة أخرى تجمعان فيها أشلاء أوزوريس.
كل جزء عُثر عليه أصبح مزارًا، في إشارة رمزية لوحدة أرض مصر تحت راية واحدة.
هذا المشهد أساس نشأة المراكز الأوزورية المقدسة، مثل أبيدوس.
رابعًا: بعث أوزوريس وإنجاب حورس
1. السحر وإعادة الحياة
بمساعدة الإله تحوت، تمكنت إيزيس من إعادة أوزوريس للحياة مؤقتًا.
هذا الحدث هو أصل فكرة البعث في العقيدة المصرية، وسبب اهتمامهم بالتحنيط وحفظ الجسد.
2. ميلاد حورس
من اتحاد أوزوريس وإيزيس وُلد حورس، الذي حمل على كتفيه مهمة الانتقام واستعادة العرش.
إيزيس حمت طفلها في أحراش الدلتا، واستخدمت السحر والتعاويذ للحفاظ على حياته، مما رسخ صورتها كإلهة الحماية.

خامسًا: صراع حورس وست
1. مواجهة بين النظام والفوضى
عندما كبر حورس، دخل مع ست في سلسلة معارك جسدية وسحرية.
لم يكن الصراع شخصيًا، بل كان صراعًا على “ماعت” التي دمّرها ست.
2. محاكمات الآلهة
مثلت جلسات الحكم بين الآلهة قيمة العدالة في الحضارة المصرية.
لم يُعطَ العرش لمن هو أقوى، بل لمن هو أحق.
وفي النهاية حسمت المحكمة الإلهية الحكم لصالح حورس.
3. معارك رمزية
بعض الروايات تتضمن سباقات قوارب ومعارك دامية ومحاولات خداع، وكلها ترمز إلى صراع طويل بين النظام والفوضى في الكون.
سادسًا: انتصار حورس وتثبيت النظام
1. حورس ملكًا على مصر
حكمت الآلهة لحورس بالعرش، فأصبح “حورس الحي”، رمز الملكية في مصر.
بل إن كل فرعون بعد ذلك اعتُبر تجسدًا لحورس على الأرض.
2. دور أوزوريس كإله للعالم الآخر
بعد الانتصار، أصبح أوزوريس إله العالم السفلي وحاكمه.
تجسّد دوره في محاكمة الموتى، حيث يُوزن قلب الإنسان مقابل ريشة ماعت.
سابعًا: الرمزية العميقة للأسطورة
1. تفسير وجود الشر
يمثل ست الشرّ، لكن الشرّ في العقيدة المصرية ليس قوة يجب إبادتها، بل قوة يجب ضبطها.
لذلك لم يُقتل ست بل نُفي للصحراء ليخدم دوره ضمن توازن الكون.
2. معنى الموت والبعث
عودة أوزوريس للحياة أسست فكرة الخلود.
أصبح كل قبر في مصر نسخة رمزية من قبر أوزوريس، وكل عملية تحنيط هي إعادة تمثيل لطقس بعثه.
3. دور المرأة
إيزيس تجسيد للقوة الناعمة:
- زوجة وفية
- أم حامية
- ساحرة حكيمة
- شريكة في الحكم
لذلك أصبحت إحدى أكثر الآلهة شعبية في كل العصور.
4. الشرعية السياسية
كانت قصة حورس وست مرجعًا لشرعية الملك.
فالفرعون هو حورس المنتصر، يحافظ على النظام ويتغلب على الفوضى.
ثامنًا: أثر الأسطورة في الحياة المصرية

1. الاحتفالات الأوزورية
كانت تقام احتفالات سنوية في أبيدوس تحكي قصة مقتل أوزوريس وبعثه، ويشارك فيها الشعب.
بهذا تربط الأسطورة بين الدين والحياة اليومية.
2. تأثيرها في الفن والعمارة
ظهرت رموز الأسطورة في:
- جدران المعابد
- مقابر الملوك
- التمائم
- تماثيل إيزيس وحورس
- الأيقونات الجنائزية
3. تأثيرها على العقل المصري
قدمت الأسطورة إجابة لمشكلات كبرى:
لماذا يوجد الشر؟
لماذا يموت الإنسان؟
لماذا يجب أن تُحترم العدالة؟
لماذا يتجدد النهر كل عام؟
---
خاتمة: الأسطورة التي صاغت حضارة
تُظهر أسطورة أوزوريس وإيزيس وست قدرة المصري القديم على تحويل الألم إلى معنى، والموت إلى حياة، والظلم إلى عدالة.
إنها ليست مجرد قصة دينية، بل فلسفة وجودية تحكي كيف يُهزم الشرّ بالحب، وكيف تُبنى الحضارة على الوفاء والنظام.
وهكذا تأسس الوعي المصري على قصة تجمع بين الدراما والروحانية، بين الأسطورة والتاريخ، وبين الإنسان والكون