مات الجميع… إلا أنا

مات الجميع… إلا أنا

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

«مات الجميع… إلا أنا»
image about مات الجميع… إلا أنا
لم يكن ذلك صباحًا عاديًا، رغم أن كل شيء بدا في ظاهره طبيعيًا. استيقظت على ضوء الشمس يتسلل من النافذة، لكن شعورًا ثقيلًا كان يضغط على صدري، كأنني تأخرت عن موعد مهم لا أذكره. مددت يدي لأمسك هاتفي، فوجدته مطفأ، رغم أنني شحنته قبل النوم. تجاهلت الأمر ونهضت ببطء.

انتظرت صوت أمي وهي تناديني لتناول الإفطار، أو صوت أبي وهو يوبخني لأنني تأخرت عن الاستعداد. لم يحدث شيء. الصمت كان كثيفًا، خانقًا، صمت لا يشبه الهدوء بل يشبه الغياب. ناديت أمي، ثم أبي، ثم رفعت صوتي، لكن البيت لم يرد عليّ.

دخلت المطبخ. فنجان القهوة كان على الطاولة، لا يزال دافئًا. الخبز مقطوع، والمقعد مسحوب للخلف، وكأن أحدهم نهض منذ لحظات فقط. هنا بدأ الخوف يتسلل إلى قلبي ببطء، خوف لا يصرخ بل يهمس. ركضت إلى الخارج.

الشارع… كان فارغًا تمامًا.

لا سيارات تتحرك، لا أصوات محركات، لا أطفال في طريقهم إلى المدرسة. المحلات مفتوحة، الأنوار مضاءة، لكن لا أحد في الداخل. هاتف مرمي على الرصيف، وحقيبة نسائية مفتوحة بجانبه، وكأن أصحابها تبخروا في لحظة واحدة. شعرت بدوار شديد، واضطررت إلى التمسك بعمود إنارة حتى لا أسقط.

بدأت أركض بلا اتجاه، أصرخ بأعلى صوتي، أبحث عن أي إنسان، أي حركة، أي دليل على أنني لست وحدي. دخلت المستشفى، المدرسة، مركز الشرطة، حتى المسجد في آخر الشارع… الفراغ في كل مكان. جلست على الأرض منهكًا، والفكرة الوحيدة التي تسيطر عليّ كانت مرعبة:
لقد انتهى العالم، وبقيت أنا فقط.

عندها سمعت صوتًا خلفي، هادئًا لكنه واضح:
"لا… لم ينتهِ بعد."

التفتّ بسرعة، فرأيت رجلًا يقف على بُعد خطوات. كان يرتدي ملابس سوداء، ملامحه غير واضحة، كأن الظل يبتلع وجهه، لكن عينيه كانتا ثابتتين عليّ. سألته بصوت مكسور:
"أين الناس؟ أين عائلتي؟"

قال بهدوء يخلو من أي تعاطف:
"انتهى وقتهم."

صرخت، وقلبي يكاد ينفجر:
"ولماذا أنا هنا؟ لماذا لم أختفِ مثلهم؟"

اقترب خطوة وقال:
"لأنك كنت تؤجل دائمًا. تؤجل الكلام، تؤجل الاهتمام، تؤجل الاعتذار، وتؤجل الوداع."

تدفقت الذكريات في رأسي بلا رحمة. أمي تطلب مني الجلوس معها فأقول: «لاحقًا». أبي يريد الحديث فأختبئ خلف هاتفي. كم مرة ظننت أن الوقت لا ينتهي؟ وكم مرة تعاملت مع وجودهم كأنه مضمون؟

مدّ الرجل يده نحوي وقال:
"لديك فرصة واحدة."

سألته والدموع تحرق عينيّ:
"لإعادتهم؟"

هزّ رأسه ببطء:
"لتستيقظ."

في لحظة واحدة، شعرت أن كل شيء ينهار.

استيقظت وأنا ألهث. نظرت حولي. غرفتي كما هي. سمعت صوت أمي في المطبخ، وضحكة أبي في الصالة. لم أفكر، ركضت إليهما واحتضنتهما بقوة، كأنني أتشبث بالحياة نفسها.

لم أسأل إن كان ما حدث حلمًا أم حقيقة.
فالرسالة كانت أوضح من أي تفسير:
لا تؤجل الحب… فبعض الوداع لا يمنح فرصة ثانية.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Fekry Ashraf تقييم 0 من 5.
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.