ظل الحقيقة – الجزء الأول
ظل الحقيقة – الجزء الأول

المدينة كانت تغرق في ضباب كثيف، وكأنها تخفي أسرارها خلف ستار رمادي. ليلى تسير في الشوارع المهجورة، وشعور بالبرد يتسلل إلى عظامها، يعانق قلبها المتوتر. كل خطوة تخطوها تتردد في صمت الليل، وكأن الأرض نفسها تخاف أن تصدر أي صوت.
قبل أسبوع، اختفى شقيقها الأصغر، آدم، بطريقة غامضة. الشرطة لم تجد أي أثر له، وكل محاولة من ليلى للحصول على أدلة اصطدمت بجدار صامت من اللامبالاة. لكن ليلة أمس، وصلتها رسالة غامضة على هاتفها:
"تعالي إلى الساعة المهجورة منتصف الليل. الحقيقة تنتظرك."
ارتجف قلبها، لكنها لم تتردد. الساعة المهجورة كانت مبنىً مهجورًا على أطراف المدينة، حيث ترك الأطفال لعبهم منذ سنوات، ونسي الجميع وجوده. نوافذها المحطمة تشبه عيونًا مفتوحة على سر مظلم، وأبوابها تصدر صريرًا يبعث القشعريرة في النفس.
دخلت ليلى بصمت، والظلام يبتلع كل زاوية. كل صوت صغير بدا أعلى من المعتاد: خطواتها، تنفسها، وصوت قلبها الذي يكاد يسمع نفسه. فجأة، شعرت بخطوات خلفها. التفتت بسرعة، لكن لم يظهر أحد. “هل هذه خدعة؟ أم أن آدم هنا فعلاً؟” همست لنفسها، لكنها تقدمت نحو قلب الساعة، حيث الظلام كان أكثر كثافة.
ظهر ظل يتحرك بسرعة، وكأنه يعرف كل خطوة لها. التقطت نفسًا عميقًا وصرخت: “آدم؟!”، لكن الرد كان صدى غريبًا، لا يشبه صوته المعتاد. على الحائط، ظهر رسم غريب بالدم، وكلمات محفورة تقول:
"الحقيقة أقرب مما تتصورين."
تجمّد قلبها، وعقلها يحاول فهم ما يحدث. فجأة، ظهر آدم عند الباب، لكن وجهه كان مختلفًا. عيونه خالية من الحيوية، وصوته يخرج بصعوبة: “ليلى… لا تصدقي كل ما ترينه…”
قبل أن تقترب، أغلق الباب بقوة، وفجأة وجدت نفسها في غرفة مضيئة، مليئة بأجهزة غريبة وأسلاك متشابكة، وكل زاوية تحمل تكنولوجيا غير مألوفة. على شاشة كبيرة، ظهر وجه شخص غريب مبتسم بطريقة مخيفة:
“مرحبًا بك، ليلى. منذ أسبوع نراقب كل تحركاتكم. الحقيقة ليست كما تعتقدين، وآن الأوان لتعرفي كل شيء عن اختفاء أخيك… وعنك أنت أيضًا.”
تجمّد قلبها، وعقلها يسأل: ما الذي وقع؟ هل آدم موجود هنا حقًا أم مجرد جزء من لعبة أكبر؟
بينما كانت تحاول الهروب، بدأت الأجهزة تومض، وصوت حاد يملأ الغرفة. الظلال بدأت تتحرك، وصوت آدم يتردد: “ليلى… أسرعي قبل أن يفوت الأوان…”
وصلت إلى الباب، لكنه كان مغلقًا بقوة. قلبها يدق بسرعة، ورائحة معدنية ملأت الهواء. شعرت بقوة غريبة تجذبها نحو مركز الغرفة، حيث جهاز كبير ينبض بضوء أزرق شديد. فجأة، لمحت على الشاشة صورًا لها في حياتها اليومية، وكل تحرك لها كان مراقبًا منذ سنوات.
تقدمت بحذر، وكل خطوة تزيد شعورها بالرهبة. الصوت الغريب من الشاشة قال: “كل ما عرفته عن حياتك كان مجرد واجهة، وستكتشفين قريبًا أن آدم لم يختفِ عن طريق الصدفة… بل لأنه جزء من تجربة أكبر بكثير.”
غرفة الساعة المهجورة اهتزت فجأة، والظلال بدأت تتشكل حولها، وكأنها تنتظر حركة خاطئة واحدة. ليلى شعرت أن قلبها يكاد ينفجر، لكن إحساس غريب بالإصرار دفعها إلى الأمام. كانت تعلم أن كل ثانية تأخير قد تكلفها ثمناً باهظًا، مصير آدم مرتبط بها بشكل مباشر.
المدينة في الخارج ما زالت غارقة في ضبابها، وكأنها تنتظر انتهاء هذه اللعبة الغامضة. ليلى شعرت أنها دخلت عالمًا لم تعرفه من قبل، عالمًا تتحكم فيه الحقيقة والظلال معًا، وعليها الآن أن تختار: هل تواجه المجهول أم تظل أسيرة الخوف؟