"هاتررريك" "الطريق إلى المرمَى"

"هاتررريك" "الطريق إلى المرمَى"

0 المراجعات

                   

 أمنية تداعب أخيلة الصغار: أن يُصبح كلا منهم لاعبا شهيرا في غد الأيام؛ فلا عجب أن يتقمص الصغير شخص هذا النجم أو ذاك؛ ومرتديا قميصه برقمه، ويخال أنه هو الذي يسجل الأهداف في مرمَى الفريق المنافس، والذي تصفق له الجماهير وتهتف باسمه !، وهو الذي تلتقط صوره عدساتُ المصورين، وهو أيضا حديث الناس في الأوساط الرياضية !. 

 تناوش الأمنية ذاتها خيال الصغير "أحمد"، فلا تفوته مباراة لنجم بعينه، وكذا يمضي خياله في تقمّص شخصه و.. ويعود ليسائل نفسه في لوعة: 

ـ متى أحقق أمنيتي، وأصبح لاعبا شهيرا ؟. 

 كان وحده في حجرته، وصور نجوم الكرة تملأ الجدران من حوله، وما زال به يفكر ويفكر: "ماذا يفعل لكي يحقق أمنيته ؟". كاد أن يغادر الحجرة، ولكن أطلّت صورة والده في صفحة أفقه؛ بهدوئه المعتاد، وابتسامته الواثقة التي لا تفارق محياه، وتذكر له قولا بعينه: 

ـ كل مشكلة لها حل. بالعقل والتفكير؛ يُحلّ كل صعب وعسير.

 جعل "أحمد" يردد عبارة أبيه، ثم هتف:

ـ قول في الصميم. باختصار: "نمخّخ": يعنى نـُشغّل مخّنا. 

 أطرق وقتا وهو يقلب المسألة في ذهنه. وأخيرا. برقت عيناه هامسا:

ـ فريق المدرسة !. 

 كيف تاهت عن باله تلك الفكرة ؟!. عموما ؛ كلّ بأوان. وما لبث أن اندمج في مذاكرته تغمره الحيوية؛ إذ هدأ خاطره وارتاح باله. وفي اليوم التالى يلتقى مدرس التربية الرياضية؛ الذي رحّب به، ودار بينهما حوارٌ استهله المدرس: في أي مركز تُجيد اللعب ؟. 

ـ صانع لعب، ورأس حربة.   

ـ رائع يا..

ـ ميسّي أ.. 

  انفجر المدرس ضاحكا ، فطأطأ "أحمد" رأسه خجلا، بينما هتف باسمه، فقال المدرس: 

ـ ستكون مثل "ميسي" بإذن الله، وقد تتفوق عليه. لم لا ؟!. سجّل اسمك مع رئيس الفصل، ولتستعدّ للاختبار. 

 كانت مفاجأة "أحمد"؛ الذي علته الدهشة مرددا: 

ـ اختبار !. متى ؟!. 

ـ يمكنك الاطلاع على لوحة الإعلانات ..

 وينطلق "أحمد" وصديقه "ماجد" إلى حيث لوحة الإعلانات، ويقرأ ماجد:                                                     

ـ الاختبار يوم الجمعة القادم. 

ـ ما زلنا السبت يا "ماجد"، أ ننتظر كل هذه الأيام ؟!.

ـ فرصة لكي نتدرب كثيرا.

ـ نتدرب ؟!. أين ؟.

ـ بالساحة الشعبية في حيّنا. ما علينا إلا أن نسدد الاشتراك. 

ـ سأستذكر دروسي، ثم أشاور أبى، وأظنه لن يرفض.

ـ وأنا أيضا سأقوم بأداء واجباتي، وأحضر ملابس الكرة وأنتظرك. 

هيا يا كابتن. 

 وافترق الصديقان، بينما ردّد "أحمد" في نفسه:

ـ كابتن !. ما أحلى هذه الكلمة !. ربنا يسمع منك يا "ماجد".

 وشاور أحمد أباه، الذي قال: 

ـ لستُ أمانع. والنظام: ماذا ؟. 

ـ أساس النجاح. 

ـ يمكنك أن تنظم وقتك. المهم ألا تهمل دروسك وواجباتك. 

ـ لقد استذكرت دروسي وأدّيت ما عليّ من واجبات. وسأعدّ ملابس الكرة للتدريب في الساحة الشعبية مع "ماجد". 

 وما لبث أن أعطاه الأب نقودا، قائلا:

ـ سدّد الاشتراك. بالتوفيق يا كابتن. 

ـ كابتن !.

 كان "ماجد" في انتظاره، وانطلقا معا إلى حيث الساحة الشعبية بالحي، ويسددا الاشتراك، وينخرطا مع زملائهما في التدريب. لم يتأخرا عن التدريب يوما، وبالطبع تحسّن مستواهما كل يوم عن سابقه، وأقبل يومُ الجُمُعة الموعود. وبالفعل اجتاز الرفيقان الاختبار وانضمّا إلى فريق المدرسة. وتبادلا التهاني بينما غمرتهما الفرحة: 

ـ مبروك يا "ماجد !".

ـ ألف مبروك يا صديقي !.

 وفي أول محاضرة قبل التدريب. قال المدرس للاعبي الفريق: 

ـ التلميذ المثاليّ: هو الذى ينظم ساعات يومه بين اللعب والمذاكرة ولا يهمل دروسه وواجباته. اللعب مكسب وخسارة، واللاعب المثاليّ أيضا: هو الذي يتحلى بالروح الرياضية عند الفوز أو الهزيمة. ويداوم على التدريب، ويحافظ على لياقتة البدنية. ولتستعدوا لمباراتنا مع فريق مدرسة النصر، يوم الجمعة القادم.     

 ثم يوجّه كلامه إلى "أحمد": آمل أن تهز شباك الفريق المنافس.

ـ اطمئن يا أستاذ. سأهزها ثلاث مرات. 

 ويقول المدرس ضاحكا: 

ـ "هاتريك" !. بالتوفيق.

 "هاتريك": كلمة غريبة على أسماع أعضاء الفريق فاه بها المدرس. الآن عرفوا معناها: فمن يسجّل ثلاثة أهداف في مباراة واحدة؛ يُطلقون عليه: "هاتريك". وأضاف المدرس: 

ـ وأربعة أهداف: "سوبر هاتريك".

 وفى يوم المباراة، كافح فريق المدرسة طوال المباراة، وتصدى الدفاع وحارس المرمى لهجمات فريق النصر، وصال "أحمد" وجال على مدى شوطيْ المباراة، ونال قسطا وافرا من هتاف وتشجيع تلاميذ المدرسة المتفرجين. وأخيرا؛ استطاع فريق المدرسة أن ينتزع الفوز، ولكنه كان فوزا صعبا، حيث نشط فريق المدرسـة وتفوق التلاميذُ على أنفسهم، ولاحت الفرصة قبل نهاية المباراة بثلاث دقائق !؛ إذ استلم "أحمد" الكرة من زميله "ماجد"، وفى هجمة "عنترية"؛ استطاع أن يراوغ الدفاع، ويسدد الكرة في الزاوية العكسية. لتعلو حناجر التلاميذ: 

ـ جوووووول !. أحمد !. أحمد !. أحمد !.

 وحملوه بعد المباراة على الأعناق. كان بالفعل فوزا غاليا، وصافح المدرس "أحمد" مهنئا:       

ـ مبروك يا كابتن. كنت وراء فوز الفريق.

ـ ولكنى لم أسجّل سوى هدفا واحدا. 

ـ لا عليك. كل آت قريب.

 تلقى أحمد التهنئة من أبويه، وفى حجرته، تناول دفتر مذكراته، وكتب: "وكانت خطوة البداية في طريق أمنيتي".

 كان على "أحمد" وصديقه أن ينسّقا بين المذاكـرة والتـدريب، ودار حـوار بينهمـا، حيث بادر "أحمد"قائلا: 

ـ نكتفي بالتدريب يومي الإثنين والخميس. ما رأيك ؟.

ـ كنت سأقولها. 

ـ حسنا، إتفقنا.     

 من يعرف أنّ الوقت كالسيف، وأنه أثمن شيء فى الوجود؛ إذ هو عُمر الإنسان؛ فمن يضيّع الوقت: فإنه يضيّع أيام عمره هباءا. كان الرفيقان يعرفان قيمة الوقت، ولذا فقد التزما بما اتفقا عليه بشأن المذاكرة والتدريب، لم يضيع أحدهما لحظة، وانكبّا على دروسهما في نشاط وحيوية، وكل يشجّعه أبواه على المضيّ.   

 وأقبلت امتحانات آخر العام، ونجح الصديقان، وكانا ضمن المتفوقين. وراح والدا "أحمد" يعانقانه؛ بينما هنّأته الأم:

ـ ألف مبروك يا "أحمد". إنني أسعد أم.

ـ وأنا أسعد أب. 

 ثم أضاف الأب: وبمناسبة تفوقك فأنت تستحق المكافأة التي أعددتُها لك. هيا بنا. 

ـ إلى أين ؟!.

ـ إلى مركز الشباب. سأقدمك لصديقي مدرب الأشبال.

ـ يا لها من مكافأة ! و. و"ماجد" يا أبي ؟.

 ضحك الأب قائلا: كنتُ على يقينٍ أنك لن تنسى رفيقك؛ فلنذهب ثلاثتنا إلى مركز الشباب. 

 والتقوا مدرب الأشبال، الذي قال للأب دون خجل: 

ـ عفوا صديقي. لا للوساطة، واللعب للأصلح، والفرصة لمن يستحقها.                              

 فقال "أحمد": 

ـ عندك حق يا كابتن. سنثبت وجودنا في الملعب.

 فقال الأب مشجّعا: 

ـ الهمة يا شباب. 

ـ إنها فرصتنا، ولن تضيعها. 

ـ بالتوفيق.

 وتقام المباراة الودية، ويُلفت الرفيقان نظر المدرب، وخاصة "أحمد"، الذي أثار إعجاب المتفرجين؛ فلم يتوقفوا عن الهتاف:

ـ أحمد !. أحمد !. أحمد !.

 وقد ألهب الهتاف حماسته، فتفوق على نفسه، وبذل جهدا مضاعفا، ووفق في إحراز ثلاثة أهداف. وجاء إلى سمعه صياح المتفرجين: 

ـ واحد. إثنان. ثلاثة. هاتريك. هاتريك. هاتريك !.

ـ أحمد !. أحمد !. أحمد !.

 وبعد المباراة؛ يحمله المتفرجون على الأعناق، وابتسامة رائعة تضيء جبينه، و.. وكتب "أحمد" في كراسة مذكراته: 

ـ "ويبدأ المشوار". 

ويسأل المدرس:

ـ رتّب العبارة التالية: “جدّ زرع من حصد وجد ومن”

ـ استخرج من القصة “ثلاث حِكَم” . 

                                                                                                                                           تمت                                                                                            

                                                                                                                                                                                                                                                                                حمدى عمارة

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

18

متابعين

181

متابعهم

1

مقالات مشابة