حكاية حمامة اسمها "هديل"

حكاية حمامة اسمها "هديل"

0 المراجعات

    في الزمن القديم؛ لم تكن عربات ولا قطارات ولا طائرات، ولا أى مواصلات، ولم يكن "تلغراف" ولا "تليفون" ولا "تلكس" ولا "فاكس"، ولا "إنترنت"، ولا أية وسيلة اتصال. ساعي البريد كان: "الحمام الزاجل". وكان يقوم بتوصيل الرسائل من بلد لبلد، ومن مكان لآخر. ولقد اختير الحمام الزاجل لتلك المهمة؛ دون سائر الطيور: لأنه الأسرع، والأهم من ذلك: "أنه يعرف الطرق بعد تدريبه !".

 زمان. كان يعيش طفل اسمه "حسن"، وكان لديهم حمامة زاجلة اسمها: "هديل": يستخدمها والده في توصيل الرسائل لأقاربه وأصدقائه. كان حسن يكتب الخطاب ويسلمه لوالده، الذي ما يلبث أن يُطلق صفيرا. تخرج الحمامة الزاجلة من البنّيّة، وتطير وتحط على يد الأب، الذي بدوره يعلق الرسالة في رجلها. وسرعان ما تنطلق، ويُشيّعها الأب بنظرة أملٍ وتفاؤل: 

ـ طريق السلامة يا هديل. لكم أحببت هذه الحمامة الوفيّة وكأنها ابنتي !.

 كان "حسن" شغوفا بحُبّ الطبيعة، ويقضي أحب أوقاته في أحضانها بين الخضرة والشجر والورد والزهور. فبعد أن يخرج من الكُتاب، يأتي بمقرأةٍ مصنوعة من جريد النخيل. تضمّ المُصحف الشريف، وما يلبث أن يفتحَه، ويحفظ ما تلاه عليه الشيخ. وبعد أن يفرُغ من التلاوة والحفظ، ينهض ويلبس طاقيته ومداسه، ثم يخرج، ويتخذ رحلته إلى حديقة بعيدة. يقضي بعض ساعة، يجول بين الأشجار، وأنواع الورد، وصنوف الزهور، ويُنصت إلى شقشقة العصافير، وتغريد الطيور: البلابل والعنادل والحسون والزرزور.. ثم يجلس ليتنسم الهواء العليل. 

 ذات مرة؛ لمح فراشة جميلة لم يرَ كمثلها. تقفُ فوق وردة بلديّة.. 

تتسع ابتسامته، وما يلبث أن يمِدّ يده ليُمسك بها، ولكنها تُفلت من بين يديْه بينما تُطلق ضحكة، وتنتقل إلى وردة أخرى. يتبعها "حسن"، ويحاول أن يُمسكَ بها ولكنها تُفلت منه أيضا بين ضحكها الرقيق، وتنتقل إلى زهرة.. و"حسن" يواصل محاولاته دون يأس و.. ولكن الفراشة تختفى فجأة. ويفتش "حسن" عنها بين الزهور، وفى كل مكان دون جدوى. أدركه التعب، وجعل يهتف في لوعة:                 

ـ عجبا !. أين ذهبت الفراشة ؟!.                                                                                                           

 بعد أن لعبت الفراشة؛ خشيت أن تتأخر؛ فما لبثت أن تركت الحديقة، وطارت إلى بيتها. وصديقنا "حسن" يهتف فى إصرار: 

ـ الفراشة جميلة وألوانها زاهية. لن أتوقفَ عن البحث. 

 وراح "حسن" يفتش ثانية: في هذه الوردة؛ قد تكون مختبئة خلفها وينتقل إلى زهرة.. وثالثة ورابعة، وضاع بحثه سُدى، ليهتف في استغراب:     

ـ أين ذهبت الفراشة ؟!. عموما، سأفتش عنها. لا بد أن أجدها. ويواصل "حسن" مناديا:            

ـ رفرف !. رفرف !. 

 وأخيرا يشعر بالتعب؛ فيجلس ليستريح، ولكن يُدركه النعاس !. وفى بيت حسن؛ كان الأب في فناء الدار، ينظر إلى الأفق بين ابتسامته المشرقة. يتابع هديل التي تحط على كتفه: 

ـ حمدا لله على سلامتك يا "هديل".

 وما يلبث أن يفك الرسالة من رجلها، وسرعان ما تطير الحمامة وتحط فوق العريشة، حين ينادي الرجل: 

ـ يا أم "حسن ". يا أم "حسن" !. 

ـ خيرا يا أبا "حسن" ؟.

ـ أين "حسن" ليقرا الجواب ؟.

ـ خرج منذ ساعتين و.. 

ـ ساعتين !. لقد تأخر !. أين ذهب ؟!. 

  كانت "هديل" تتابع الحوار، حين ردّت الأم: 

ـ لم يُخبرْني. أخشى أن يكون تاه، أوضل الطريق !. 

ـ تاه !. وماذا نفعل يا أم "حسن"، وأين نبحث عنه ؟!. 

 عرفت الحمامة "هديل" الحكاية. لم تضيّع الوقت، وسرعان ما طارت. يلمحها الأب؛ فيعلق: 

ـ "هديل" طارت يا ام "حسن" !.  

ـ لا بد أنها ستبحث عن "حسن" فهو الذي يقدّم لها الطعام والشراب.

  وانشرح صدرُ الأب الذي تعلوه ابتسامة: 

ـ بوركت يا "هديل". 

  تبلغ "هديل" الحديقة، وتحلق في سمائها. ثم تحط فوق غصن شجرة. وجعلت تنقل بصرها في نواحي الحديقة. رأت "حسن". وسرعان ما تحط بالقرب منه. تحاول أن توقظه دون جدوى. ماذا تفعل ؟. إلا أن تسحب طاقيته بمنقارها. ثم تسابق الريح و.. تحط فوق العريشة، وتُلقي بالطاقية. يلقفها الأب الذي يهتف في قلق: 

ـ طاقية "حسن" !. 

 تفزع الأم صائحة: 

ـ يا ساتر يا رب. ماذا جرى لـ "حسن"، وأين هو ؟!.

 ويحاول الأب أن يُطمئنها: 

ـ "حسن" بخير ان شاء الله.   

 وتحوم "هديل" فوقهما، وما تلبث أن تطير. يتبادلان نظرة. ويعلق الأب: 

ـ "هديل" تعرف مكان "حسن". وستدلني عليه. لا تقلقى يا ام حسن.  

 وتحلق "هديل" في الفضاء، وكانت بمثابة دليل للأب، الذى تبعها، وكانت عينيه عليها؛ حتى يبلغ الحديقة. يخطو الأب في لهفة نحو ولده النائم، و"هديل " تحلق فوق "حسن"؛ بينما تهفهف بجناحيها معبّرة عن سعادتها. يوقظ الأب ابنه. يصحو "حسن". يتلفت من حوله بينما يردد:                    

ـ الفراشة !. أين الفراشة ؟!.  

  ويضحك الأب: 

ـ أية فراشة يا "حسن"؟. أ تحلم ؟!. "حسن" !.

  يتنبّه حسن ويهتف في دهشة: 

ـ أبي !. كيف. كيف جئت إلى هنا ؟!.

ـ البركة في "هديل". هي التي دلتني.

  وضع "حسن" يده فوق رأسه هاتفا: 

ـ طاقيتي !. 

  ويقول الأب بين ضحكته الطيبة: 

ـ طاقيتك في الدار.

ـ في الدار ؟!. 

  ويساعده الأب على النهوض: 

ـ سأحكي لك في طريق العودة. هيا لكي نُطمئن أمك.

  ويسير "حسن" مع أبيه ومازال يحدث نفسه:

ـ والفراشة ؟!. ترى هل أراها ثانية، واسمع ضحكتها ؟!. 

  وانطلقت "هديل" مسرعة نحو الدار، لعلها أرادت أن تطمّن الأم !. 

                                                                                                                                                تمت                

                                                                                                                                                                                                                                                                                            حمدى عمارة

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

15

متابعين

182

متابعهم

1

مقالات مشابة