شبنام علي : الفتاة التي ذبحت أسرتها في سبيل الحب

شبنام علي : الفتاة التي ذبحت أسرتها في سبيل الحب

0 المراجعات

إلى أي حد يمكن أن تصل القسوة بالإنسان ،  وإلى أي مدى يمكن أن يصل الجحود ، سؤال طالما حيرني وراودني وانا اكتب هذه القصص المظلمة منذ سنوات طويلة. وفي كل مرة أقلب سجل قاتل وسفاح جديد أظن واهما بأني وصلت إلى قعر هذا البئر العفن من الدم والظلم والجنون .. لكن سرعان ما تفاجئني الدنيا بقصة جديدة تضرب لي مدى جديدا ورقما قياسيا آخر في حجم القسوة والدناءة التي يمكن أن ينحدر إليها بعض بنو البشر.

في 15 أبريل/ نيسان 2008 ، الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، في قرية باوان خيري في ولاية أوتار براديش شمال الهند. استيقظ السكان فزعين على صراخ امرأة تطلب النجدة فتركوا اسرتهم مسرعين وهبوا يلبون النداء .. كان مصدر الصراخ منزل عائلة شوكت علي ، من أعيان البلدة وملاك الأراضي الأثرياء.

كان لطف الله خان من أوائل من وصلوا إلى منزل العائلة المكون من طابقين ، كان صراخ المرأة قد خبا عند وصوله وعم السكون ، دق لطف الله الباب مرارا ، وما لبث أن لحق به جيران آخرون ، وصار الكل يدق وينادي .. ولا جواب .. أخيرا قرروا كسر الباب ، وما ان فعلوا ودلفوا إلى باحة المنزل حتى كان بانتظارهم أبشع مشهد يمكن أن يشاهدوه في حياتهم ..

في باحة المنزل كان شوكت علي ممددا على الأرض مذبوحا ، وإلى جواره استلقت أبنته شبنام فاقدة للوعي.

في داخل المنزل كانت هناك المزيد من المشاهد الفظيعة ، زوجة شوكت علي وأبناءه الأثنان وزوجة أبنه وأبنة اخيه المراهقة كلهم مقتولون ذبحا ، حتى الحفيد الرضيع ذو العشرة أشهر لم ينجو ، كان مقتول خنقا ويرقد في الفراش بين جثتي أمه وأباه.

منزل عائلة شوكت علي

منزل عائلة شوكت علي

الناجية الوحيدة من المجزرة ، الأبنة شبنام ، ذات الخمسة والعشرين عاما ، استعادت وعيها لاحقا في المستشفى ، وقالت في افادتها أمام الشرطة أن مجموعة من اللصوص هاجموا المنزل وقتلوا العائلة بأسرها ، لكن كلامها لم يقنع المحققين ، فلم يكن هناك شيء مسروق من المنزل ، كما أن باب المنزل الرئيسي كان مقفلا من الداخل ساعة وقوع الجريمة مما يدل على أن أحدا لم يدخل أو يخرج.

تقرير الطبيب الشرعي ألقى مزيدا من الشكوك على القضية ، فلقد تبين بأن الضحايا جميعهم تعرضوا للتخدير قبيل مقتلهم مباشرة.

وهنا طبعا بدأ المحققون يرتابون في الأبنة شبنام ، فإذا كان جميع افراد عائلتها تعرضوا للتخدير وذبحوا كالخراف فلماذا تركها القاتل أو القتلة حية؟!. سؤال لم تجد شبنام جوابا له حينما حاصروها بالأسئلة.

التحقيقات مع سكان البلدة بدأت تكشف مزيدا من الخبايا ، الجيران قالوا بأن العلاقة بين أفراد العائلة كانت متوترة بشدة مؤخرا ، بالتحديد مع الأبنة شبنام.

شبنام علي شابة مثقفة

شبنام علي شابة مثقفة حاصلة على تعليم عالي

كانت شبنام حاصلة على ماجستير في اللغة الإنجليزية والجغرافيا وتعمل معلمة ، وعائلتها ثرية من ملاك الأراضي ، وبالطبع كانت هذه العائلة تريد تزويج أبنتها الوحيدة لشخص من مستواها .. لكن للقلب أحكامه .. فقلب الأبنة تعلق بشاب من القرية يدعى سليم ، عاطل عن العمل وسليل عائلة فقيرة من طبقة اجتماعية أدنى.

جدير بالذكر أن نظام الطبقات يلعب دورا بارزا في المجتمع الهندي ، وهو نظام صارم وظالم إلى أبعد الحدود ، وقد يظن البعض أن هذا النظام موجود لدى الهندوس فقط ، حيث يقبع الداليت أو المنبوذون في قعر السلم الطبقي ويتم التعامل معهم باحتقار ويتعرضون للنبذ والاضطهاد. لكن في الحقيقة هذا النظام موجود أيضا ، بشكل أو بآخر ، لدى الهنود من أديان ومعتقدات أخرى ..

لدى المسلمون الهنود مثلا يقبع الأشراف (Ashraf) في رأس الهرم الاجتماعي ، وهم أولئك الذين يزعمون أنهم ينحدرون من جزيرة العرب أو من سلالات حاكمة كالمغول والأتراك أو من هندوس الطبقة العليا الذين تحولوا للإسلام عبر العصور.

الطبقة الثانية هم الأجلاف (Ajlaf) ، وهؤلاء ينحدرون من الهندوس المتحولون للإسلام من طبقات متوسطة ، أما في أسفل الهرم فتقبع الطبقة الثالثة وهم الأرذال (Arzal) ، وجلهم من الهندوس الذين تحولوا للإسلام من طبقة الداليت أو المنبوذين.

وبالطبع من غير المقبول لفتاة تنحدر من طبقة الأشراف أن تتزوج بشاب من طبقة الأرذال مثل سليم. لكن شبنام أصرت على حبها رغم اعتراض أهلها الشديد الذي وصل حد التعنيف والضرب. لا بل أن الأمور وصلت الى الحد الذي تقدم فيه أحد أقارب شبنام ببلاغ إلى الشرطة لمنع هذه العلاقة “الأثمة”.

وهكذا وصلت العلاقة بين الفتاة وأهلها حد الانفجار ..

الاعترافات

شبنام علي وحبيبها سليم

شبنام علي وحبيبها سليم

عندما تمت محاصرة شبنام وسليم بالشواهد والأدلة اعترفوا أخيرا .. قالوا بأنهم دبروا الجريمة وقتلوا العائلة لكي يصفو الجو لهما خصوصا وأن شبنام كانت حاملا في شهرها الثاني من سليم.

أما عن تفاصيل الجريمة وكيفية وقوعها ، قالت شبنام أن سليم أعطاها دواءا مخدرا دسته لعائلتها في الشاي الذي وزعته عليهم بعد تناول وجبة العشاء. وبعد أن فقدوا وعيهم أتصلت بسليم فأتى إلى المنزل يحمل فأسا ، وقاما معا بالإجهاز على جميع افراد الاسرة ، كانت شبنام تمسك وترفع رأس الضحية إلى الأعلى وسليم يذبح .. وعندما وصلوا إلى الطفل الرضيع لم يطاوع سليم قلبه أن يذبحه فقامت شبنام بقتله خنقا بيداها ثم وضعته بين جثتي أبيه وأمه.

أخيرا حين انتهيا من الجريمة غادر سليم بعد أن تبادلا بعض القبلات الساخنة فوق أشلاء العائلة المذبوحة ، ثم أقفلت شبنام باب المنزل وبدأت بالصراخ قبل أن تسقط أرضا لتمثل دور المغشي عليها.

المحاكمة

شبنام علي صور الضحايا

صور الضحايا

كانت جريمة العاشقان محور حديث الصحف الهندية لفترة طويلة وتمت متابعة محاكمتهما على نطاق واسع. العجيب أنه في المحكمة انقلب العاشقان على بعض ، سليم قال بأن شبنام هي التي دبرت كل شيء ، قال بأنها كانت مخمورة ليلة الجريمة واتصلت به تطلب الحضور إلى منزلها وعندما حضر كانت قد خدرت أسرتها وشرعت بقتلهم وأنه ساعدها فقط. أما شبنام فقالت بأنها لم يكن لها دور في قتل عائلتها وأن الأمر كله دبره سليم وبدون علمها أو مشورتها.

الفصل الأخير في القضية كان للقاضي أ. أ. الحسيني الذي قال لشبنام قبل أن يصدر حكمه عليها : ” أنا ربما أتفهم مشاكلك مع عائلتك واخلاصك لحبك ، لكن ألم يكن بوسعك وبكل بساطة الهرب من عائلتك بدلا من قتلهم ، ألم يكن في مقدروكما أن تذهبا إلى مدينة أخرى في هذا البلد الشاسع لتعيشا حياتكما كما تشاءان بعيدا عن ضغوطات العائلة والمجتمع .. لكنكما أخترتما سبيلا اخر لم يكن الحب وحده طرفا فيه ، بل كان الطمع ، فالحقيقة الواضحة هي أنك قتلت عائلتك بأسرها بتدبير وتخطيط لكي ترثي املاكهم وتعيشي بقية عمرك مرفهة في أحضان حبيبك”.

حكم الإعدام الصادر بحق العاشقان لم يكن مفاجئا لأحد ، رغم انه كان اول حكم إعدام يصدر بحق امرأة في تاريخ الهند بعد استقلالها عن بريطانيا عام 1947.

الابن باتو .. يلتمس العفو عن أمه

المشكلة أن المأساة لم تكتمل بصدور حكم الإعدام ، فلقد كان هناك ضحية أخرى في القضية ، الطفل البريء الذي انجبته شبنام سفاحا من حبيبها ، هذا الطفل ، ويدعى باتو ، عاش مع امه لعدة سنوات في السجن قبل أن يتم وضعه تحت رعاية أحد أصدقاء العائلة .. الولد المسكين لم يقترف أي جناية لكنه نال كل اللوم من الناس على جريمة والداه ، ولاحقته الألسن بالغمز واللمز في الشارع أو المدرسة .. وحتى في المسجد.

بالنسبة لبطلي قصتنا ، العاشقان السفاحان ، فمازالا يقبعان في السجن حتى تاريخ الانتهاء من كتابة هذا المقال بانتظار تنفيذ حكم الإعدام فيهما ، ومازال هذا الحكم ساريا رغم العديد من طلبات الترحم والالتماس التي قدمت من شبنام واطراف اخرى إلى المسئولين في الهند لتخفيف العقوبة.

ربما تكون القضية قد انتهت بالنسبة لعامة الناس والاعلام في الهند ، لكن ليس بالنسبة لسكان قرية باوان خيري الذين لم تبارح رؤوسهم ذكرى تلك الليلة الدامية ولم يستطيعوا نسيان ما فعلته الابنة الخائنة بعائلتها إلى درجة أنه ومنذ تاريخ وقوع الجريمة وإلى يومنا هذا لم يقم أي شخص في القرية بتسمية أبنته شبنام مع أنه من أسماء البنات المألوفة في تلك الأرجاء.

ختام

رغم تعجبي واشمئزازي مما فعلته الابنة الضالة ، لكن أجدني أتفهم حقدها على عائلتها .. نوعا ما .. وأعذرني عزيزي القارئ على رأيي الذي قد لا يروقك ، لكن صدقا هناك عوائل لا تطاق! .. وهناك عوائل لا يتمنى المرء أبدا أن يكون أبنا لها ..

وحسب معايير الإنسانية السمحاء فأن ما فعلته عائلة شبنام كان ظالما وغير مقبول ، أعني رفضهم تزويج أبنتهم لشخص من مستوى أدنى. لكن حسب معايير الواقع المعاش وبعيدا عن المثاليات فأن الكثير من العائلات في مختلف أنحاء العالم كانت لتفعل مثلهم.

أحيانا قد تعصى البنت أهلها وتخرج عن طوعهم ، وقد تتطور الأمور للشتم والضرب والقطيعة والخصام والهرب من المنزل والزواج رغم أنف العائلة الخ .. نعم تحدث هذه الأمور ، ليست شيئا فريدا..

لكن الفريد والعجيب والمقيت هو ما فعلته شبنام تجاه عائلتها ، فأيا ما كان سبب الخصام ، كيف لقلب الانسان يطاوعه أن يجهز على عائلته برمتها هكذا بكل بساطة!..

يا ترى عندما أمسكت بشعر أمها وجذبت رأسها إلى الأعلى ليتم ذبحها بالفأس .. الم تتذكر لها ولو موقفا جميلا واحدا .. ألم يتحرك وجدانها لذكرى لمسة حانية ، حضن دافئ ، عين ساهرة ، قلب مشفق ..

ألم يهتز كيانها وهي تطوق عنق أبن شقيقها الرضيع لتزهق روحه .. ما ذنب ذلك المسكين؟ ..

أي قسوة هذه يا ربي .. وأي بشاعة !..


 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

12

متابعين

4

متابعهم

0

مقالات مشابة