رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ١٦

رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ١٦

0 المراجعات

بعد أن وصلت لتلك المرحلة لم تعد هناك فرصة للرجوع، فها هو الدير أمامي، و ها هي الدنيا التي رأيت منها ما كان أشد قسوة من الجحيم نفسه، لا مفر .. لا رجوع .. إذاً فقد قُضي الأمر ....
و بالداخل تم الترحيب بنا من قبل الأخوات بالدير و علي رأسهم الأخت دميانة أم الدير و المسئولة عنه و التي اصطحبتنا إلي حجرة مكتبها الخاصة و ......
و كأن شريط ذكرياتي المؤلمة يمر أمام عيني بكل تفاصيله، و لا تزال دميانة كما هي هادئة الملامح جميلة و قد رحبت الأخت دميانة بأبونا بولس الذي ما إن أطمئن عليَّا حتي تركني و غادر بعد أن أوصاها برعايتي و الإهتمام بي ....
و ما إن غادر هو و تابعته الأخت دميانة حتي بوابة الدير ثم عادت و أغلقت باب حجرة مكتبها الخاصة بها  و بعيناها الممتلئتان بكل العطف و الحنان نظرت إليّ و قالت:
سأتركك وحدك الأن يا مريم ....
اولاً أريدك أن تجلسي الأن و تستريحي وها هو المكتب أمامك و ها هي تلك الورقة التي ستقرين بها بمصيرك و حياتك المستقبلية ..
تلك الورقة الخاصة بـ«طلب الرهبنة» ..
أريدك أن تقومي بتدوين الاسم، الرقم القومي، المؤهل الدراسي، اسم الأم، وظيفة الأب والأم، العنوان، التليفون، الحالة الصحية، الكنيسة التابعة لها، هل سبقت الخطوبة أم لا؟، هل أب الاعتراف على علم بطلب الرهبنة؟ هل الأب والأم موافقان على ذلك؟
و قبل المغادرة، نبهتني الأخت دميانة بصعوبة الحياة في الدير، وأن القرار ليس سهلًا، و لكني كنت ثابتة على موقفي دون أن يظهر عليَّا أي نية للتفكير أو التراجع، بينما تابعت هي قائلة:
أتمنى أن يمنحك الرب القدرة علي إتخاذ القرار الأصوب و ليرشدني الرب بقبول الطلب أو رفضه حسبما يري، و بعد أن تنتهي أضغطي علي هذا الزر هناك علي المكتب و ستجديني أمامك ....
و ابتسمت ابتسامتها المعهودة و ....
و غادرت بعدها المكتب علي الفور....

لحظات من الصمت مرت بينما كنت أجلس أتأمل تلك الورقة التي ستكون بمثابة صك حياتي الأبدية، و ارتفعت نبضات قلبي رويدا رويداً و بتلقائية شديدة أمسكت بالصليب المعلق علي صدري و قمت بضمه أكثر ..  وأكثر ..
و أكثر ..
إلي أن بدأت في الهدوء مرة أخري و أمسكت بالقلم و نظرت إلي الطلب مرة أخري و ....
و بدأت أدون بيانات طلب الرهبنة ....
و بعد ساعة كاملة ما بين صمتي و تفكيري و تدويني لكافة البيانات المطلوبة، ضغطت علي الزر الموجود علي المكتب، و ما هي إلا بضع ثواني حتي كانت الأخت دميانة أمامة و قد أخذت مني الطلب و نادت علي إحدي الراهبات و تدعي ماري و طلبت منها أن تأخذني إلي إحدى الغرف، ثم نظرت إليّ قائلة:
و لكنها ستكون غرفة مؤقتة إلي حين البت في أمر قبولك من عدمه كأخت جديدة معنا في سلك الرهبنة، و لابد أن تعلمي أنه من غير المقبول إقامة غرباء معنا و لكن ظروفك طبقاً لما أخبرني به الأب بولس تستوجب الموافقة علي ذلك دون أدني تردد.
‌فأشرت إليها بإيماءة من رأسي بعلامة الموافقة علي ما قالت و غادرت الحجرة رفقة الأخت ماري و صعدنا الدرج إلي الدور العلوي و سرنا في ممر طويل علي جانبيه العديد من الغرف المتجاورة و وقفنا امام باب إحداها و قامت ماري بفتحها قائلة بإبتسامة عريضة:
‌أختي الحبيبة، تلك غرفتك الخاصة بكي و ها هو مفتاحها و ستجدي كل ما يلزم إحتياجاتك بالداخل، و يوجد هاتف أيضاً إذا أردتي أي شئ أطلبيني فوراً و ستجديني في خدمتك فأنا المسئولة عنك هنا، و صمتت لحظة ثم تابعت:
‌أنتي الأن مشروع راهبة، بمعني أنه إذا ما تم قبول طلبك فلا يعني هذا أنك دخلتي سلك الرهبنة، فلابد أن تظلي فترة تحت الإختبار قد تصل إلي عام كامل، فأرجو ألا تيأسي، و تمسكي بإيمانك و قوتك و ستنجحي و تجتازي تلك الفترة و الرب سيعينك و بشفاعة يسوع ستشملك بركته هو وحده من سينعم عليكي بنعمة تلك الحياة معه إلي الأبد.

تابع

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
اسلام ابراهيم
المستخدم أخفى الأرباح

articles

460

followers

613

followings

116

مقالات مشابة