رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ١٧

رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ١٧

0 المراجعات

قالتها و تركتني بالغرفة و أغلقت الباب خلفها، و جلست وحدي أفكر .. و أفكر ..
كم هو سخيف شعور أن تمضي حياتك كلها بالتفكير و كأن العقل هو العضو الوحيد النشط في جسمي، فتمنيت أن يتوقف عقلي عن التفكير و لو لدقائق، أحتاج بالفعل أن أشعر نفس شعور أولئك الذين لا يشغلهم شاغل في تلك الحياة، فقد سئمت عقلي و تفكيري و حياتي كلها، فتري هل كانت الرهبنة حلاً؟
هروباً؟
عشرات الأسئلة تدور في رأسي و لكن يبدو أن مثلي لن تتحقق له مثل تلك الأحلام البسيطة ....
مرت الأيام و جلست مع الراهبات لأتعرف أكثر على حياتهن المغايرة لما اعتدت عليه، و حصلت على كتب تتحدث عن الرهبنة لأقرأها، و بقيت على هذا الحال شهورًا في انتظار موافقة من رئيسة الدير على التحاقي كطالبة رهبنة والإقامة الدائمة معهن.
أجمل ما في الدير أنه يطل علي أجمل مشهد تتمني أن تراه يومياً حين تصبح و حين تمسي ....
البحر ....
في  كل يوم كنت أخرج رفقة الأخوات إلي البحر كنت أتذكر ذلك اليوم الذي أتيت فيه إلي هنا في رحلة المدرسة ....
اليوم الجميل الذي انتهي بمآساة لن يمحيها حتي الزهايمر، و ذات مرة كانت معنا الأم دميانة و قد لاحظت   ملامح الحزن تكسو وجهي ولاحظ ذلك الأخوات أيضاً، فلم أكن أستطع السيطرة علي دموعي التي بدأت تنهمر فتسائلن عن السبب فأخبرتهن، و قد تأثرن كثيراً فبعضهن كن بالدير في ذلك اليوم و تذكرن بشاعة ما حدث وقتها حينما علمن بأمر الحادث بعد مغادرتنا الدير في طريقنا للعودة، أما الأم دميانة فقد كانت أكثرهن تأثراً حينما اخبرتها عن صديقتي مريم التي ماتت يومها في حادث الأوتوبيس و ذلك لأنها الوحيدة التي كانت آخر من تحدث معها و كأن القدر قد أراد أن يكتب لها أن تشاركني ذكري أليمة كتلك التي حدثت منذ سنوات.
و أخذت الأيام تمر و تمر و قد أجريت كشفاً طبياً للتأكُد من عدم إصابتي بأمراض معدية ومعرفة حالتي الصحية، و كان أبونا بولس يأتي إلي الدير أسبوعياً للإطمئنان عليّ، و قد عاونني في تجهيز كل الأوراق المطلوبة وهي صورة البطاقة، وشهادات الميلاد والتخرج، وتزكية منه بصفته أب إعترافي يفيد بعدم زواجي أو خطبتي من قبل، و قدمت الأوراق لرئيسة الدير الأم دميانة و....
و جديراً بي في ذلك الجزء من روايتي لكم أن أنتقل بها من لقب أخت إلي لقب أم تقديراً و إحتراماً لمكانتها الرفيعة و منصبها و ما تمتعت به من حب الأخوات لها الأمر الذي جعلهم فيما بينهم أن يمنحوها لقب القديسة ....
و بالفعل كما أخبرتني الأخت ماري فقد مر عام كامل و أنا تحت الاختبار والمراقبة في كل فعل وكلمة ..
و كنت أرتدي التنورات والفساتين الواسعة التي تناسب الدير، لأنني في عُرف قوانين الرهبنة لازلت «مشروع راهبة» قد ينتهى فى لحظة لأعود إلى حياتي الطبيعية، في حال لم أتحمل تلك الحياة الجديدة، و لكني كُلَّما مر الوقت كنت أزداد إرادة و صلابة و اجتزت فترة الاختبار الأولى بسلام، وتأكدن الأخوات في الدير و علي رأسهم الأم دميانة رئيسة الدير مما كُن يبحثن عنه في شخصي، وهو «الالتزام والطاعة والعفة»، فسمحت لي الأم دميانة بارتداء الزي الرمادي لأصبح «تاسوني»، و التاسوني وفقًا للائحة الرهبنة الصادرة عام ٢٠١٣ لابد و أن تستكمل ثلاثة سنوات أخرى تحت الاختبار لتتحول إلى راهبة ترتدي الزي الأسود.
كان الصمت سمة المرحلة التي كنت فيها، فداومت عليه قدر المستطاع، واقتصر حديثي على زائري الدير على السلام فقط، وعند سؤالي على أي شىء آخر كنت أجيب: «أنا جديدة و لا أعلم شيئاً .. أسألوا أمنا الراهبة»، إلى أن حانت اللحظة التي جئت لأجلها هنا ....
و يا لها من لحظة ....

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
اسلام ابراهيم
المستخدم أخفى الأرباح

articles

460

followers

613

followings

116

مقالات مشابة