رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ١٩

رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ١٩

0 المراجعات

   في يوم من أيام الصيام كان الدير هادئاً، هدوء اعتدت عليه في أيام الصيام، التي لا يستقبل فيها الدير رحلات، لكنه يظل يفتح بابه للزوار في مواعيده العادية من التاسعة صباحًا وحتى الخامسة مساء، و كنت منهمكة في بعض الأعمال الخاصة بالدير فقطع ذلك الهدوء صوت إحدي الراهبات و تدعي مارينا سمراء البشرة حادة الملامح تكسو الجدية دوماً ملامحها و قد جاءت لتتسلم مني مهام العمل في الكابينة التي أعمل بها فوقفت معها لأخبرها بما وصلت إليه وما متبقي لتفعله، ثم خرجت بعدها متجهة ناحية باب حديدي عريض موجود يسار الكابينة والبوابة، و يفصل بين الجزء الخارجي من الدير المتاح للزائرين، وهو المزار والكنيسة والمعرض والمكتبة، وبين المساحة الخاصة بالراهبات الموجودة خلفه، وهى المبانيالمخصصة لسكنهم، و لا يعبر هذا الباب شخص غريب إلا لسبب واضح يذكره للراهبة الجالسة بجوار البوابة، و تسمح له بالدخول بعد أن تكون قد أبلغت راهبة موجودة في الداخل عن طريق التليفون.
تخطيت الباب، و ذهبت إلى قلايتي أي غرفتي و التي كانت في الدور الأول من مبنى الراهبات، و المكون من أربع طوابق مكشوفة للشخص الواقف في ساحة المبنى بالدور الأرضي، يغلب عليه اللون الأزرق، وهو لون أبواب القلايات، ويزين الزرع والورود كل أركانه.
أود إخباركم انا هذا المبني ممنوع منعاً باتاً دخوله لغير ساكنيه من الراهبات و غير مسموح أن أقوم لإدخال أحد إلي  قلايتي فقد كان ذلك ضمن قسمي الذي تلوته عند رسامتي ....
لكني يمكنن وصفها لكم فهى ذات مساحة متوسطة تحتوي علي سرير ودولاب ومكتب وكرسي ومنجالية (مسند الكتاب المقدس)، و لقد انتقلت انتقلت إليها بعد رسامتي راهبة، و تركت تلك الثلاثة التي كنت أعيش فيها بالمبني المقابل و الخاص بطالبات الرهبنة، و في الحقيقة  لم يكن هناك فرقًا بينهما سوى أن قلايتي الآن يوجد بها حمام خاص، ولا يكتب على بابها من الخارج اسمي مثل الأولى.
مرت الأيام و الليالي طويلة داخل هذه القلاية، حتي نسيت معالم وجهي، و التي صرت لا أراها منذ رهبنتي، فالرهبنة لا يناسبها وجود مرآة و حتى في حمامات الزوار لا توجد مرايا أيضاً فلا يصح أن تنظر الراهبة لنفسها ولجسدها، لذلك فالرهبنة هي وجوه محرمة علي المرايا، أيضًا لا يصح أن تمتلك الراهبة عطور أو مرطبات أو فرشاة أو أدوات تزيين بسيطة ....
حياة صعبة .. أليس كذلك؟
و بينما كنت جالسة علي سريري أقرأ بعض الآيات من الكتاب المقدس سمعت صوتاً يأتي من خارج النافذة الصغيرة الموجودة في قلايتي ....
صوتاً عذباً ....
لا أبالغ إن قلت أنه ليس بصوت بشر ....
له من السحر لو تعلمون عظيم ....
و كلمات مستني من داخلي ....
نهضت من مكاني و أقتربت من النافذة و وسط ذلك السكون الرهيب كان الصوت يتضح أكثر و أكثر، و ربما كان واضحاً لي لكوني في الدور الأول و نافذتي تطل علي الساحة الخارجية للدير و ....
و فتحت النافذة ....
و لم أري أحداً بينما لا يزال الصوت موجوداً ....
و الكلمات مع عذوبة الصوت كان لها رنيناً جميلاً في أذني، رنين اخترق قلبي ....
ففي تلك اللحظة كان يقول:

ما أضيعَ اليومَ الَّذي مَرّ بي
مِن غيرِ أن أهوى و أن أعشق
سارعْ إلى الّلذات قبل المنون
فالعمر يطويهِ مرور السنين
ولَستُ كالأشجار إن قُلّمَتْ
فروعُها عادت رِطابَ الغصون

و .......

و خفق قلبي بشدة إثر ما سمعت

تابع

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
اسلام ابراهيم
المستخدم أخفى الأرباح

articles

460

followers

613

followings

116

مقالات مشابة