رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ٢٣

رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ٢٣

0 المراجعات

طوال ساعة كاملة و أنا أصلي و الدموع تنهمر ....
و تنهمر ....
أسأل الرب أن يغفر لي خطيئتي ....
و التغلب علي ضعفي ....
و ....
و أشارت عقارب الساعة إلي الواحدة بعد منتصف الليل و كنت لا أزال أصلي بينما سمعت دقات متقطعة علي باب قلايتي، فنهضت من مكاني و أقتربت من الباب قائلة:
من الطارق؟
و أنتظرت لحظات لم أستمع فيها لأي رد، و بينما كنت أمد يدي لفتح الباب لأري من بالخارج شعرت بقدمي و قد اصطدمت و خطت فوق شئ ما في أرضية الحجرة بجوار الباب، فنظرت أرضاً فوجدت ورقة مطوية قد أُلقيت من تحت الباب و تناهي إلي مسامعي صوت خطواتٍ تبتعد، ففتحت الباب و نظرت خارخ الغرفة فلم أجد أحداً، فقد كانت الطرقة الخاصة بالدور يميناً و يساراً خالية من أي شخص، و لا يوجد أدني صوت ..
فقط الصمت ....
الرهيب .... 
فعُدت إلي الداخل و أحكمت إغلاق الباب و ....
و أمسكت بتلك الورقة بينما كان هناك سيل من الأسئلة في رأسي و أنا أفتحها ....
تري ماذا تحوي تلك الورقة؟
من الذي ألقاها لي و بهذه الطريقة؟

______________________________________________

   كانت الورقة لا تحمل سوي بضع كلمات شكَّلت عبارة واحدة متقطعة ....
عبارة واحدة فقط جعلت قلبي يخفق بقوة مع كل حرف فيها ....
"لا تقلقي يا مريم .. سأكون معك .. لم و لن أتركك .. حتي و إن غادرت الحياة سأظل معك بروحي و سترين ذلك ....".
و يا لآلام الذكريات!..
لازلت أذكر تلك العبارة ....
لقد كان مشهداً مؤثراً بحق ....
                                                                       ...........
كم أتمنى وجودك معي الأن! ..
بعدك أصبحت بلا هوية و بلا عنوان ..
مجرد فُتات إنسان ..
هائمة علي وجهي، و آلام تُدمي قلبي، و حائرة بين الأديان ..
يالها من أيام قد مضت!، ليتها لم تكن ..
شعرت بغصة مريرة في حلقي ...
و لا عجب فهي مرارة الوحدة التي أصبحت ملجئي و ملاذي ..
شعرت وكأني غريبة!..
لماذا أشكي من الحزن؟ و الحزن مني حزين ....
لماذا تهرب أفراحي مني؟ و أنا من يتوق للحظة فرح في تلك الحياة ....
                                                                      ............

و بينما أنا في تلك الحالة شعرت بدمعة نزلت فألهبت خدي و وجهي ....
وجهي الذي أشتقت لرؤيته و أنا لازلت في أول حياتي الرهبانية ....
تمنيت ان يتلقي كفه دمعتي قبل الوداع ....
ليت الزمان يرق لي يوماً ما وإن لم يكن فليت الطير بين جناحيه يحملني إليك لعلي ألتقي بك ....
وعندها ...
لن نفترق ..
أبداً .
فجففت دموعي و طويت الورقة و وضعتها بين صفحات مذكرات مريم، و أويت إلي فراشي ...
أنتظر القادم ..
في إستسلام .

_____________________________________________

مضي أسبوع كامل بعد ذلك، لم أقم فيه بأي نشاط سوي العمل و الصلاة و قسط بسيط من النوم فقط لا غير، و حتي في غرفتي كنت أضع قطعاً من القطن في أذني حتي لا أقع في نفس الخطأ الذي حدث مرة ثانية، فلا أريد أن يجذبني فضولي إلي أمر كالذي حدث ليلتها، فقد أوقفت حواسي كلها حتي أستطيع قضاء ليلي في سلام.
و لم أسعي لمجرد التفكير في أي مما حدث في تلك الليلة، بل و لم أفتح مذكرات مريم رغم الفضول الذي حاول مراراً أن يتملكني، و الأهم من ذلك هو محاولتي السيطرة علي نفسي و كبح جماح شهوتي التي كانت تزداد كلما تذكرت تلك اللحظة التي كنت فيها مع طارق ....
فمن غير المنطقي ألا تشعر أية امرأة برغبة جنسية، فهي أفكار ربما تأتي لها دون إرادتها، فما عساها أن تفعل كأمرأة عادية؟ فما بالكم براهبة!..
لذلك كنت ألهي نفسي بالعمل و الصلوات طوال الوقت، و لا أترك لنفسي أدني وقت فراغ لأشعر برغبة، و لم أجد وسيلة أخري لمحاربة الشيطان و مقاومة رغباتي و لم 
أترك نفسي للتفكير في هذا، و رغم ذلك لا تمانع الراهبات التعامُل مع الرجال، كالكاهن الذي يأتي إليهن أسبوعياً بالاتفاق مع رئيسة الدير ليقيم لهن قداس الأحد، وتجلسن معه وتقبلن يديه، كذلك الزوار، الذين يسلمون عليهن، ويحاولون تقبيل أيديهن للتبارك بها، لكن سرعان ما تسحب الراهبة يدها في هذه الحالة كنوع من التواضع، وتسمح له بتقبيل الصليب الخشبي إذا كانت تحمله في يدها.
لم يكن ذلك أبداً بالأمر السهل، و لكنني حاولت ....
و حاولت ...
و حاولت ..
و لكني لم أفلح في الإستمرار.

تابع

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
اسلام ابراهيم
المستخدم أخفى الأرباح

articles

460

followers

613

followings

116

مقالات مشابة