رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ٢٦

رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الأول - حلقة ٢٦

0 المراجعات

     أنهت الأم دميانة حديثها معي دون أي تفسير لما قالته، ثم أذنت لي بالإنصراف تاركة الفضول يكاد يلتهم عقلي لمعرفة تفسير و معني حديثها لي، فما قالته غريباً جداً أن يصدر من امرأة في مكانتها، و لكنني علي حال قد أنصرفت علي الفور و بخطوات  سريعة ذهبت إلي مبني الراهبات مباشرة و توجهت إلي قلايتي و جلست أفكر فيما قالت ....
أفكر ....
و أفكر ....
و طال التفكير ....
و توقفت عند تلك الجملة التي إحترت فيها كثيراً:

" من وقعنا في حبهم و أردناهم .. ليسوا رُهباناً أصلاً؟! .."

و وجدت نفسي أغوص في التفكير أكثر و أكثر و ....
و توقفت عيني بمذكرات مريم، تلك المذكرات التي لم أقم بفتحها مُطلقاً، و لما لا؟! و شعرت بالجنون من هول ما تدفق في عقلي من أفكار منطقية و لا منطقية حتي قلت لنفسي:
سوف أقوم بفتحها، فقلبي يحدثني أن تلك المذكرات قد سافرت عبر الزمن لتجدني، و لقد وصلت إلي منذ أسبوع كامل فكيف للصبر أن تمكّن مني و لم ألقي عليها و لو نظرة بسيطة، أو حتي أقرأ بعض مما كتبته مريم عني ....
إلي متي سأظل ضعيفة؟ ....
مستسلمة للواقع المرير ....
سلبية ....
لقد ألقيت بضع ورقات جانباً كي أنسي ما حدث و أضع كل تركيزي في حياتي الجديدة الخالية من أي حياة، و ها أنا أحاول و أحاول و يبدو أن الفشل بات أمر طبيعي بالنسبة لي ....
و حينما قررت أن أعترف للأم دميانة بما في داخلي، فوجئت بأنها قبلت إعتذاري علي خطيئتي دون أن تعلمها أو حتي تستمع إليها، و أصدقكم القول أن هذا الأمر قد أسعدني للغاية، و لكن ما قالته لي بعدها جعل حسمي لكل ما بداخلي بات معقداً للغاية، و هنا مددت يدي و إلتقطت مذكرات مريم من علي المنضدة الموجودة بجانب فراشي و ....
و أخذت أقرأ ....
لساعات و ساعات ....
و أقرأ ....
و أقرأ ....
و ....
مهلاً ....
ها هي مريم في آخر حوار حوته مذكراتها ....
مع دميانة في ذلك اليوم ....
قبل الحادث ....
يبدو أنها شعرت بقرب نهايتها لدرجة أنها لم تصبر علي العودة لمنزلها و  لتكتب ما تريده بعدها، فبمجرد صعودها للأوتوبيس قد دونت ذلك الحوار و حدث ما حدث بعد ذلك ....
حيث كتبت مريم إنها كانت تنظر إلي طارق و هو يرسم بينما هو لم يلحظها أو يشعر بوجودها ي المكان، و فجأة وجدت دميانة خلفها، و دار حوار بينهما لفتت نظري فيه جملة معينة قالتها دميانة ....
لمريم ....
تخُص طارق ....

"يبدو أنه يعشقنا، و لكن مثلنا لا يحق لهن حتي التفكير في مثل تلك الأمور ....
كم أتوق للحظاتٍ رومانسية كتلك التي نسمع عنها ...."

و حاولت ربط الخيوط ببعضها ....
و وجدتني في حاجة للإجابة عن سؤالين فقط ....

أين طارق؟
و ما الذي بينه و بين دميانة؟

______________________________________________

  كان ذلك اليوم هو الأول من أسبوع الآلام مساء الأحد، و قد تم إعلان حالة الطوارئ بالدير من قبل الأخوات راهبات الدير ، وتم إغلاق جميع ورش الأعمال والمعرض ووقف جميع الأعمال الخاصة بهن، وأغلقت أبواب الدير وامتنعت الراهبات عن مقابلة الزوار أو الحديث مع أحد بالإضافة لامتناعهن عن الأحاديث الخاصة مع بعضهن البعض إلا للضرورة القصوى وأصبح الكلام همساً واعتكفت كل راهبة بقلايتها لا تخرج منها إلا للصلاة فقط.
          هذه الإجراءات الغرض منها التفرغ التام للقراءة و الصلاة والعبادة والتوبة عن الخطايا، فنحن بحاجة إلى الاستفادة بكل دقيقة فى هذا الأسبوع الذى يواكب الأسبوع الأخير فى حياة المسيح فى الأعمال الروحية التى تقربنا أكثر من الله.
و مع أول ساعة فى أسبوع الآلام قامت الراهبات المسؤولات عن الدير بكسوته باللون الأسود وإغلاقه ووضع ستائر سوداء على الأعمدة والجدران مرسوماً عليها صور للمسيح مصلوباً.
       و في تلك الليلة يبدو أن هناك مس من الجنون قد أصابني، أو ربما أحدهم ارادني بسحر ليس له علاج، فأصبحت عصبية جداً في ذلك اليوم، صداع شديد في رأسي، و أضطررت للخروج من قلايتي و توجهت إلي الأخت ماري في قلايتها رغم أنني أعلم أن هذا ممنوع منعاً باتاً طبقاً لما ذكرت، و لكنني كنت في أمس الإحتياج لأي علاج فقد بدأ الصُداع يتملكني، و قطعت المسافة بين قلايتي و قلايتي بسرعة و طرقت بابها و حينما فتحت الباب جحظت عيناها فزعاً من هول منظري و هويت بين ذراعيها لا أقوي علي الوقوف، فحملتني إلي الداخل و هي تسألني:

مريم! ماذا أصابك؟!
أجبتها بصعوبة شديدة:
لا أعلم .. صداع شديد في رأسي يؤلمني ....
 فأجلستني علي فراشها و قامت بتجهيز مشروب مكون من أعشاب طبيعية و أسقتني إياه و هي تصلي من أجل شفائي، فنظرت إليها و بصوت شاحب سألتها:
أين طارق يا ماري؟
توقفت ماري عن الصلاة و تغيرت ملامحها فجأة و بدا عليها الدهشة و الإستفهام و هي تجيب:
طارق؟ من طارق؟
رغم الألم الذي أشعر به غلفت الدهشة كل حرف نطقت به و أنا أجيبها؟
طارق! .. ذلك الشاب الذي رسم اللوحات الخاصة بالمكتبة ..
صمتت ماري للحظات و تبدلت نظرتها فشابتها قليل من السخرية ثم انفجرت في الضحك طوال دقيقة كاملة، مما أثار شيئاً من الغضب بداخلي جراء رد فعلها العجيب، فلم أجد حقاً سبباً لضحكها أو سخريتها مما قلت، ثم توقفت فجأة عن الضحك و نظرت إلي عيني مباشرة و هي تسألني:
أتقصدين فادي؟

تابع

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
اسلام ابراهيم
المستخدم أخفى الأرباح

articles

460

followers

613

followings

116

مقالات مشابة