بذلة الغوص و الفراشة: الجزء الأول

بذلة الغوص و الفراشة: الجزء الأول

0 المراجعات

الكاتب: جان دومينيك بوبي

عنوان الكتاب: بدلة الغوص و الفراشة

ترجمة: شوقي برنوصي

مراجعة و تحرير: رمزي بن رحومة

تصميم الغلاف: الشاعر محمد النبهان

الناشر: مسكيلياني للنشر والتوزيع

______________________________________________

إهداء

🔹إلي ثيوفيل و سيليست مُتمنياً لهما الكثير من الفراشات.
🔹كل الامتنان إلى كلود ماند بيل، فعبر قراءة هذه الصفحات ستفهم الدور الأساسي الذي لعبته في كتابتها.

______________________________________________

إستهلال 

 

خلف ستارة القماش المتآكل بفعل العث، يعلـن الضوء اللبنيّ اقتراب بواكير الصباح، أحس بوجع في كعبي، رأسي مثل السندان،و جسمي كما لو أن بذلة غوص تُقيده بالكامل.

تخرج غرفتي برفق مـن الغبـش.

أنظـر بالتفصيـل إلى صـور أحبائي، صـور الأطفال، الملصقات، الدرّاج الصغير من الفولاذ الأبيض - أرسله لي صديق عشية سباق دراجات باريس -روبي- و المِحمَلة المطلّة من سريري.
سريري الذي أقبع فيه منذ ستة أشهر قبوع السرطان الناسك على صخرته، لا حاجة للتفكير طويلاً لأعرف أين أنا و أتذكر أن حياتي قد
انقلبت رأساً على عقب يوم الجمعة ٨ ديسمبر من العام الفائت.
حتى ذلك الوقت، لم أسمع قط بجذع الدماغ، يومها فقط اكتشفت هذه القطعة المحورية لحاسوبنا الداخلي «المسلك الإجباري
بين المخ والنهايات العصبية» حين وضعتها أزمة قلبية حادة، خارج الخدمة.

سابقا كنا نسميها «التوصيلة إلى الدماغ» ونموت بسببها بكل بساطة، و لكن تطور تقنيات الإنعاش حور العقوبة. صرنا
نتملص من الموت مقذوفين فيما يسميه الطب الأنغلوسكسوني متلازمة المنحبس، مشلولا من الرأس إلى أخمص القدمين، يُسجن المريض داخل نفسه بروح سليمة و رفيف جفن أيسر صالح لجميع أنواع الاتصال.


بطبيعة الحال، المعني الرئيسي هو آخر من يعلم بهذه اللطائف، فيما يخصني أجيز لي عشرون يوماً من الإنعاش و بضع أسابيع من
ضبابية الإدراك قبل أن أفهم ما جرى: و لم أتبين ذلك تماما إلا آخر جانفي في هذه الغرفة رقم ١١٩ بالمستشفى البحري ببارك، الغرفة
التي تدخل إليها الآن أولى التماعات الفجر.


إنه صباح عادي. مع الساعة السابعة، بدأ قرع الأجراس الصغيرة للكنيسة يلجم انفلات الزمن، ربع ساعة بعد آخر.

إثر هدنة الليل، بدأت قصبتي الهوائية المزدحمة في الخرخرة بصخب، متوتراً فوق
الملاءة الصفراء، طفقت يداي تؤلمانني دون أن أتمكن من الجزم أمن شدة الحرارة أم شدة البرد.، و كردة فعل لمقاومة التصلب قمت
بما يشبه عملية تمطط حركت الذراعين و الأرجل لبضع مليمترات.
كثيرا ما تكون حركة كهذه كافية للتخفيف عن عضو يتألم.
أصبحت بذلة الغوص أقل ضيقاً، و يمكن للروح أن تتسكع مثل فراشة، هنالك الكثير لأفعله. يمكن أن أطير في الفضاء أو عبر الزمن، أن أرتحل إلى أرض النار أو فناء قصر الملك ميداس، يمكن أن أزور المرأة التي أحب، أنزلق إلى السرير بجانبها وأداعب وجهها و هي بعد نائمة.

بإمكاني بناء قصور في إسبانيا، و الإستيلاء على الصوف الذهبي، و اكتشاف أطلانطس، و تحقيق أحلام الطفا و منامات الكهل.
و كإستراحة للتنويع، علي بالخصوص أن أؤلف داخل رأسي الصفحات الأولى لهذه الرحلة الخالية من الحركة، كي أكون جاهزاً
عندما يأتي مبعوث ناشري ليأخذها عن طريق الإملاء.

فأعجن كل جملة عشر مرات، أحذف كلمة، أضيف نعتا، و أحفظ نصّي عن ظهر
قلب، فقرة بعد أخرى.
إنها السابعة والنصف صباحا، تقطع ممرضة القسم حبل أفكاري، تفتح الستارة، وفق طقس مضبوط جداً، تتفقد ثقب القصبة الهوائية و القطرة قطرة، وتشغل التلفاز للاطلاع على المستجدات، فإذا هو
ينقل حلقة صور متحركة عن قصة أسرع علجوم في الغرب.

ماذا لو أطلقت أمنية بأن أتحول إلى علجوم؟

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
اسلام ابراهيم
المستخدم أخفى الأرباح

المقالات

460

متابعين

611

متابعهم

115

مقالات مشابة