مات وحيدًا ودفن في بيته ورفضوا صلاة الجنازة عليه   .. تعرف على محنة أول عالم مسلم فسر القرآن

مات وحيدًا ودفن في بيته ورفضوا صلاة الجنازة عليه .. تعرف على محنة أول عالم مسلم فسر القرآن

0 المراجعات

 

 

 يعتبر التعصب الديني واحدا من أخطر أنواع التعصب،  إذ يعزز أسباب الفرقة والاختلاف، ويتسبب في تمزيق الأمم، في سبيل تطبيق كل فرقة لمنهجها، ومنذ أن دب الخلاف في الأمة الإسلامية، بفتنة على ومعاوية ، وظهور طوائف جديدة كانت وظيفتها الأساسية تكريس فكر الخلاف والانشقاق، وكانت تلك النظريات الفكرية ماهي إلا مجرد أسباب ساهمت في تأخر الأمة الإسلامية كثيرا، حتى صارت هدفاً لينًا لأعدائها، وأداة طيعة لتنفيذ مخططاتهم القبيحة، وفي هذا السياق نقدم محنة  الأمام الجليل الطبري أول من دون تفسيرًا مكتوبًا للقرآن الكريم بخط يده  نموذجاً لأحد ضحايا هذا التعصب الفكري والمذهبي؛ فما الذى حدث معه ؟

 

من هو الإمام الطبرى 

هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب، المشهور بالإمام أبي جعفر الطبري، ولد العام  (224هـ/ 839م)، في آمُل عاصمة إقليم طبرستان، وهو  يَقع الآن في شمال دولة إيران،  نشأ في أسرة مسلمة،  معتزة بإسلامها، وكرامتها ،في أواخر الخليفة العباسي  المعتصم، أدرك والد الطبري أنّ ابنه يملك نباهة وذكاء ورغبة في العلم، فغمره برعايته وتولّى العناية به، فأرسله إلى بغداد عاصمة  العلم والعلماء في ذلك الوقت،  ووجّهه منذ الطفولة إلى حفظ القرآن الكريم، كما هي عادة المسلمين وقتها، وبدى في بغداد ومنها إلى مصر يرى الناس ذهابه وإيابه وهو يتأبط دواته وقرطاسه، وسرعان ما تفتح عقله، وبدت عليه مخايل النبوغ والاجتهاد

رحلة العلم 

كان الإمام الطبري  حافظاً لكتاب الله عارفاً بالقراءات بصيراً بالمعاني فقيهاً في أحكام القرآن عالماً بالسنن، وهب حياته للعلم والبحث وكان  كثير الترحال، فارتحل إلى بغداد والكوفة والبصرة، وذهب إلى مصر، ومكث في الفسطاط  عاصمة مصر عام 253 هـ، وأخذ عن علمائها علوم مالك والشافعي وابن وهب،  ومكث في الفسطاط فترة أطول، وصنف فيها كثيراً من كتبه، ثم رحل  إلى بغداد واستقر فيها، وفي كلّ هذه الأعوام كان طالبا للعلم، ومدونا وبقيت كنبه حتى الآن  مرجعا إسلاميا وعربيا لجميع الدارسين والباحثين.

 

بداية المحنة.

 خلق التعصب الديني الأعمى الذي ظهر إبان عصر الخلافة العباسية، حالة من الجدل بين علماء هذه الحقبة، وفي أرض العراق ، و كان المذهب الحنبلي هو المذهب السائد خلال القرنين الثالث والرابع الهجري، وذلك بفضل صمود الإمام أحمد بن حنبل، فى  محنة خلق القرآن الكريم، تلك المحنة التي خلقها الحكام العباسيون ، وهم من خلطوا الدين بالحكم ، وهذا الموقف أعلى من شأن الحنابلة، ورفع قدرهم في أعين الناس والعامة، حتى أصبحوا أغلبية بأرض العراق، وكان رأس الحنابلة بالعراق؛ أبا بكر محمد بن الحافظ أبي داود، صاحب السنن، ولم يكن الرجل جديراً بهذا المنصب، لكنّه نال الزعامة الشعبية لدى الحنابلة؛ لشهرة أبيه الحافظ الكبير أبي دواد.
بدأت محنة الطبري مع الحنابلة عندما ألّف كتاباً في اختلاف العلماء والمذاهب في الأمصار، وهو كتاب ضخم وحافل، إلا أنه لم يذكر فيه المذهب الحنبلي؛ حيث كان يرى أنّ الإمام أحمد معدود من المحدّثين، وليس من الفقهاء، فقد كانت المذاهب الأخرى أقدم وأكثر شهرةً ورواجاً في العالم الإسلامي، ومذهب الحنابلة كان قاصراً على العراق فقط.، وجد الحنابلة أنّ في هذا الصنيع إهانة للإمام أحمد، وبدأت تتداول ألسنتهم، وعلى رأسهم أبو بكر بن أبي داود، كلمات تنال من عقيدة الطبري

أسباب المحنة 

كان الإمام الطبري إلى جانب أنه الف كتابا لم يذكر فيه للمذهب الحنبلي قد  قام بجمع طرق حديث (غدير خم)، وذلك في أربعة أجزاء، وهو الحديث الشهير عند جميع طوائف الشيعة، الذي يستدلون به على أحقية علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وبنيه في الخلافة، وهو حديث صحيح لا شكّ فيه، ثم ما لبث الأمر أن تطور وصار خلافاً خطيراً، الأمر الذي  جعل أبو بكر بن داود يستخدم  سلطته عل جموع الحنابلة وجيّشهم ضدّ الطبري، وبدأ ينشر بينهم ما يوغر صدورهم نحو الرجل، غير آبه بما قدّمه للأمة، لكنه التعصب الأعمى الذي يهدم ولا يعرف للعالم قدرة ولا للعلم حقه، فسوّل لهم إهانة هذا العالم الجليل

محنة الطبري

 لما قدم الطبري إلى بغداد، وفي زيارته الأخيرة؛ تجمع عنده مجموعة من الحنابلة المتشددين  في المسجد يوم الجمعة، وسألوه عن أحمد بن حنبل، قال: "ما رأيت له أصحاباً يعوَّل عليهم"، فلما سمع الحنابلة منه ذلك، وثبوا عليه ورموه بالمحابر، فهرب منهم ودخل داره، فرموا داره بالحجارة، حتى صار على بابه كالتلّ العظيم،  ورغم أن السلطة الحاكمة يجب أن تكون على الحياد إلا انها كانت تفقف بجوار هذا التعصب، فقام  صاحب شرطة بغداد في عدد كبير من الجنود، ليمنع عنه العامة، ووقف على بابه يوماً إلى الليل، وأمر برفع الحجارة، فأغاظ ذلك الأمر عوام الحنابلة بشدة، فدفعهم التعصب المقيت إلى محاصرة بيت الطبري، ومنعه من الخروج منه، ومنع طلاب العلم من الدخول عليه، حتى أنّ كلّ طلاب العلم والحديث الذين دخلوا بغداد، العام 309هـ، لم يجتمعوا به، ولم يرووا عنه شيئاً، بسبب طغيان جهلة الحنابلة،

ظل الطبري حبيساً في بيته يعاني الاضطهاد الشديد، ولا يدخل عليه أحد إلا القليل من خاصته، وكان قد جاوز الخامسة والثمانين، والجهلة والمتعصبون لا يردّهم شيء، لا مكانة علمية، ولا كبر سنّ، ولا مؤلفات ومصنفات عظيمة في التفسير والتاريخ وغيرهما.

وقت الرحيل 

 

 ظل الإمام الطبري محاصرا  في بيته لمدة عام لا يرى الناس ولا يرونه،  حتى وقت الرحيل، في شوال العام 310هـ، وقد ظلّ الطبري يردّد الشهادة قبل موته عدة مرات، ثم مسح يده على وجهه وغمض بصره بيده، وبسطها، وقد فارقت روحه الحياة، وبلغت المحنة أوجها ووصل التعصب إلى ذروته، وظل الحنابلة على حصارهم لبيت الطبري حتى بعد أن بلغهم خبر وفاته، مما دفع أصحاب الطبري أن يدفونه في صحن داره خوفا من بطشهم بجسده والتي تقع حالياً في شارع عشرين في الأعظمية في بغداد، باسم (حديقة الرحبي).. رحل الطبري محاصراً مظلوماً، ظلمه من سمح للتعصب أن يعشّش في أذهان الناس.

 

آراء العلماء في الإمام الطبري 

 قال عنه الخطيب البغدادي: "كان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفاً بأيام الناس وأخبارهم"، وقال الإمام النووي: "أجمعت الأمة على أنّه لم يصنف مثل الطبري".

وقال ابن الأثير: "أبو جعفر أوثق من نقل التاريخ، وفي تفسيره ما يدل على علم غزير وتحقيق وكان مجتهداً في أحكام الدين، لا يقلّد أحداً؛ بل قلّده بعض الناس وعملوا بأقواله وآرائه وكان أسمرَ، أعين، نحيف الجسم، فصيحا" 


 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

10

متابعين

40

متابعهم

19

مقالات مشابة