أسمهان: صوت الملاك الذي اختطفه الغموض

أسمهان: صوت الملاك الذي اختطفه الغموض

2 المراجعات

في عالم الفن العربي، قلما يظهر صوت يحمل في طياته مزيجًا نادرًا من الشجن والفخامة، من النبل الأرستقراطي والوجع الإنساني، كما فعلت أسمهان، تلك الأميرة التي ولدت في مملكة الجبل الدروز، وودّعت العالم في قاع نهر على الطريق بين القاهرة ورأس البر.

النشأة الأرستقراطية والطفولة المهاجرة

وُلدت أسمهان باسم آمال الأطرش عام 1912 أو 1917 (الاختلاف قائم)، وهي شقيقة الموسيقار فريد الأطرش، لعائلة سورية درزية من جبل الدروز، اضطرت للهرب إلى مصر بعد وفاة والدها بسبب الاضطرابات السياسية. منذ طفولتها، عاشت أسمهان حياة التنقل بين عالمين: الفقر والمجد، التقاليد والانفتاح، مما شكّل شخصيتها الفريدة.

انطلاقتها الفنية

برغم معارضة العائلة، التحقت أسمهان بعالم الفن بمساعدة شقيقها فريد، ولفتت الأنظار بسرعة بفضل صوتها الأخّاذ وقدرتها على أداء المقامات الشرقية بإتقان نادر. في ثلاثينيات القرن العشرين، بدأت تسجل الأغاني وتغني في الإذاعة، ليتحول اسم "أسمهان" إلى رمز للأنوثة الراقية، وصوت يضاهي الكبار.

التعاون مع عبد الوهاب وزكريا أحمد

أبدع كبار الملحنين لأسمهان، منهم محمد عبد الوهاب وزكريا أحمد ورياض السنباطي، ومن أشهر أغانيها:

ليالي الأنس في فيينا

إمتى حتعرف

يا حبيبي تعالَ إلحقني

أنا اللي أستاهل

في صوتها كانت توجد مسحة غربية فخمة، لكنها لم تُفرّط يومًا في أصالة الطرب الشرقي.

المرأة التي لا تُروّض

كانت أسمهان امرأة ذات شخصية قوية، متمردة على الأعراف، ومتشبعة بإحساس العظمة والحرية. تزوجت من الأمير حسن الأطرش، لكنها لم تقبل بدور الزوجة التقليدية، فعادت إلى مصر لتتابع مسيرتها الفنية، في وقت كانت فيه المرأة الفنّانة تُحاصر بالقيود.

الحرب العالمية الثانية والجانب الغامض

دخلت أسمهان في لعبة استخباراتية خلال الحرب العالمية الثانية. يُقال إنها عملت مع المخابرات البريطانية وشاركت في مهام لها طابع سياسي، مستغلة نفوذها الاجتماعي. هذه المرحلة زادت من غموضها، وربما ساهمت في نهاية حياتها المأساوية.

الموت الغامض

في يوليو 1944، لقيت أسمهان حتفها غرقًا في حادث سيارة غامض، وهي في أوج شبابها ومجدها، وقبل إتمام تصوير فيلمها الوحيد غرام وانتقام. حتى اليوم، لم يُعرف على وجه اليقين إن كانت الحادثة قضاءً وقدرًا أم اغتيالاً سياسيًا أو انتقامًا شخصيًا.

إرثها الخالد

لم تترك أسمهان إلا عددًا محدودًا من الأغنيات، لكنها لا تزال تُسمع كما لو كانت جديدة. بقيت أسطورتها حيّة بفضل صوتها النادر، ووجهها السينمائي، وقصتها التي لم تنتهِ بموتها، بل بدأت هناك.


أسمهان كانت امرأة تجرأت أن تعيش كأميرة وفنّانة، عشيقة وصوت، حلم وغموض. لم تُعطها الحياة الوقت الكافي، لكنها أخذت من الحياة ما يكفي لتصبح خالدة.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

10

متابعهم

2

متابعهم

22

مقالات مشابة