ميخائيل زوشينكو يحكي مرارة الفقر ولضوء
ميخائيل زوشينكو *الفقر*
ترى أني لم أتوصل الى أحدث من كلمة: «الكهرباء» . بدون أي كلام او جدال تستنير روسيا السوفييتية بالكهرباء، ولكن هناك جوانـب أخـرى الموضـوع لا تحمل أهميـة كبيـرة.
ليس قولي إنـه يكلفنا ثمناً باهضا.. لا.. بلعكس إننا لا ندفع مالاً كثيراً مقابل الكهرباء.
ليـس هـذا مـا أقوله , ولكن الأمر يحوم حول الآتي:
عشت أيها الرفاق في منزل ضخم. كان المنزل بأكملـه مـضـاء بالكيروسين. لدى البعض مصباح زيتي، ولـدى آخريـن مـصبـاح
صغير، والبعض ليـس لـديـه شيء على الإطلاق، يضيئون منازلهم بشمعة.. إنهـم الأكـثـر فـقـرا. ثم بدأوا في توصيل الكهرباء..
الى مقـر رب المنزل أولا، ثم أخذوا يتقاسمونها بينهم . إنـه رجـل هـادئ، لا يظهـر مـا يـفـكـر فـيـه. لكنـه
قا في بدأ يتصرف بغرابة، ويسير واضعاً يـده في أنفه مستغرق التفكير.
وهـا هـي ربـة المنـزل يليزافيتـا إيجناتيفنا
جاءت يـوما باقتراح أن ننير الشقة.
تقـول: الجميع يوصلون الكهرباء، حتى مدير المنزل نفسـه قـد فـعـل ذلك.
حسناً.. فلنفعل ذلك.
ووصلنا الكهرباء، وأضيء المكان.. ولكـن يـا إلـهـي! المكان متعفن وقذر.
في السابق كان المرء يـغـادر صباحاً إلى العمل، ويعـود بالمساء ويشرب الشاي وينام. ولم يكـن يرى المـرء شيئاً بعد ان كنا نستخدم الكيروسين، أما الآن فقد أضيء المكان وأصبحنا نرى..؟
أصبحنـا نرى الثياب الممزقة , ثغرات الفئران في أسفل الجدران ,الزرابي الممزقة في كل أركان وارجاء الأماكن ، وخرقة غير واضحة المعالم تخص أحدهم، وبإمكانك أن ترى لعاب هنا، وتبغ هناك، وصرصورا يسير بحرية.
يـا إلـهـي عـلـى مـا يفعلـه النـور! انه يفطم قلبك بالبكاء وانت تنظر الى هذا .
على سبيل المثال، تلك الأريكة الصغيرة التي لدينا في شقتنا.. تلك التي كانت تريحني ، كنت أجلس عليها كثيراً في خاصتا في اجتماع العائلة .
وبعد ان كشف النور الظلام وعوض الضوء الحلاك اندهشت من أشيائي ومعداتي نفذت كل بطانتهـا تقريباً، لا يمكنني أن أجلس على هذه الأريكة.. روحـي تنفر منها.
لكني أفكر في نفسي وأقول: «لكني لست غنياً». نفسي حزينة أنظر بكأبة ولم أعد مركزا في عملي . وبإمكاني أن أرى أيضاً صاحبة ربة المنزل يليزافيتا إيجناتيفنـا تبدو حزينة، وتذهب إلى المطبخ وتحاول أن تلهي نفسها بالتنظيف والترتيب.
أسألها:
- لما تتسكعين في المكان؟
لكنها تلوح فقط بيدها وتقول:
- لم أكن أدري أني أعيش في فقر مدقع كهذا.
أخذت أمعن في سيدة البيت , وأنظر الى الوضع المزر فقط يمكنك ألا تنظر إليـه تـحـت هـذا الضـوء الساطع. أصبح مزاجي يتعكر وانا في طريقي الى المنزل , فأضيء النـور، وأتعجب من المصباح ، وأهرع للفراش على الفور. بعـد أن قبضت مرتبي اشتريت صباغة وباشرت في تنظيف المكان وأصلحت الأريكة، الأن تنفتح النفس وبالرغم من ان النتيجة كانت جيدة إلا أنها لم تكـن كفايـة..
ومع أن النتيجة كانت جيدة إلا أنها لم تكن جيـدة كفايـة.. لقـد بددت المال عبثـاً يـا أشقائي، فقد قطعت ربة المنزل الأسلاك الكهربائية. قالت لي: - أن الأمر اكبر مما تفكر فيه فأنا افقر من أن اتعايش مع هذه الأزمة حاولت أن أقنعها، ولكن عبثاً كان هذا. – لا أقبل أن أحيا في الضوء لـدي المال لأصلح أشيائي. وهل من السهل تغيير المكان والذهاب إلى آخر بعد الانفاق كثيراً على الإصلاحات ؟
لذا فقد استسلمت للأمر. آآه أيها الأشقاء.. النـور متعة، ولكـن الحيـاة تحـت ضوئه ليست كذلك.