"لعنة الكتاب المجهول"
كان اليوم عادياً مثل أي يوم آخر، عندما دخل الدكتور "أحمد" إلى مكتبه في الجامعة. كان أحمد أستاذاً في الأدب العربي القديم، وقضى سنوات طويلة يبحث وينقب في كتب ومخطوطات نادرة من العصور القديمة. كانت لديه سمعة بين زملائه كأحد أعمق الباحثين في هذا المجال، وأيضًا كونه غير متردد في الغوص في أعمق أسرار النصوص التي لا يجرؤ الآخرون على الاقتراب منها.
في تلك الليلة، كان الدكتور أحمد يجهز نفسه للعمل على مجموعة من المخطوطات القديمة التي حصل عليها من أحد مزادات الكتب النادرة. وبينما كان يتصفح الأوراق البالية، وجد كتابًا غريبًا ملفوفًا بجلد داكن، وبدا واضحًا أن الزمن قد ترك بصماته على هذا الكتاب، حيث كانت أطرافه ممزقة ومتآكلة. الكتاب لم يكن يحمل عنوانًا، وكانت أوراقه مظلمة كأنها كتبت باستخدام نوع من الحبر الأسود الغامق.
فتح أحمد الكتاب، وكان أول ما لفت انتباهه هو اللغة المستخدمة. لم تكن اللغة العربية أو أي لغة قديمة يعرفها، بل كانت مجموعة من الرموز الغريبة التي لم يستطع فكها بسهولة. ولكن كانت هناك ترجمة بخط اليد على الهامش، وكأن أحدهم قد حاول فك شفرة هذه الرموز. من الواضح أن هذا الكتاب كان يحوي سرًا دفينًا، ولم يتردد أحمد في محاولة كشفه.
مع مرور الأيام، بدأ أحمد في ترجمة الكتاب، وشيئًا فشيئًا بدأ يكتشف أن ما يقرأه ليس مجرد نص قديم، بل كان يتحدث عن طقوس سحرية ولعنات تعود لعصور مظلمة. كانت النصوص مليئة بالتحذيرات حول قوى مظلمة تتربص بكل من يحاول استخدام هذا الكتاب. ولكن أحمد، بفضوله الذي لا يعرف حدودًا، استمر في البحث، رغم تلك التحذيرات.
مع كل صفحة يترجمها، كانت الأحداث الغريبة تبدأ في الحدوث من حوله. في البداية، كانت أصوات غريبة تأتي من أركان مكتبه، كأن هناك من يهمس في أذنه بلغة غير مفهومة. ثم بدأت الأنوار تتذبذب، وأصبح يشعر بوجود شيء غير مرئي يراقبه. حاول أحمد تجاهل هذه الأحداث واعتبارها مجرد أوهام، لكن الأمور بدأت تتصاعد.
في إحدى الليالي، بينما كان أحمد يعمل على الكتاب، انقطع التيار الكهربائي فجأة، ووجد نفسه جالسًا في الظلام الحالك. حاول إشعال الشموع، لكن الرياح التي كانت تهب من النافذة المفتوحة أطفأتها بسرعة. وعندما أدار رأسه نحو الكتاب، رأى شيئًا غريبًا: الرموز التي كان يحاول ترجمتها بدأت تتوهج بلون أحمر دموي، وكأنها تستدعيه لفعل شيء ما.
أحمد، الذي كان معتادًا على مواجهة المخاطر الأكاديمية، شعر للمرة الأولى بخوف حقيقي. كانت تلك اللحظة التي أدرك فيها أن ما يتعامل معه ليس مجرد نص قديم، بل كان يتعامل مع قوة أكبر منه بكثير. قرر إغلاق الكتاب وإعادته إلى مكانه، لكنه عندما حاول ذلك، وجد أن الكتاب كأنه التصق بيديه. كانت صفحات الكتاب تتحرك بسرعة، وكأنها تقلب نفسها بنفسها، وبدأت الكلمات تتوهج بشكل أكثر إشراقًا.
في تلك اللحظة، شعر أحمد بشيء بارد يزحف على جلده. نظر حوله، ورأى ظلالًا تتحرك في زوايا الغرفة. لم تكن تلك الظلال عادية، بل كانت تبدو وكأنها كائنات غير مرئية تحاول الاقتراب منه. بدأ عقله يصرخ للهروب، لكنه لم يستطع الحركة. كانت عيناه مثبتتين على الكتاب، الذي أصبح الآن ينبعث منه ضوء غريب يغمر الغرفة بأكملها.
فجأة، سمع صوتًا عميقًا يأتي من داخل الكتاب، كأنه صوت من عالم آخر. الصوت كان يتحدث إليه، يهمس في أذنه بكلمات لم يفهمها، لكن كان لها تأثير مروع عليه. بدأ يشعر بدوار شديد، وكأن الأرض تدور من تحته. فقد السيطرة على جسده وانهار على الأرض، بينما كان الكتاب يسقط بجانبه.
استيقظ أحمد بعد ساعات، ليجد نفسه ملقى على الأرض في مكتبه. كانت الأنوار قد عادت، وكل شيء يبدو طبيعيًا، إلا الكتاب. كان الكتاب مغلقًا، لكن كانت هناك علامات غريبة محفورة على جلده، وكأنها علامات أظافر حادة. شعر أحمد بالخوف العميق، وقرر أخيرًا التخلص من الكتاب.
أخذ الكتاب معه إلى حديقة منزله، وحفر حفرة عميقة ووضع الكتاب بداخلها. كان يحاول دفنه لينسى كل ما حدث. لكنه، عندما بدأ يدفن الكتاب، شعر بشيء غريب. كانت الأرض تحت قدميه تهتز، وكأنها ترفض دفن الكتاب. ولكن أحمد كان مصممًا على التخلص منه. استمر في الحفر حتى دفنه تمامًا، وعاد إلى منزله معتقدًا أن الكابوس قد انتهى.
لكن الأمور لم تنته هنا. في تلك الليلة، وبينما كان يحاول النوم، شعر بأن هناك من يقف بجانب سريره. فتح عينيه ببطء، ورأى تلك الظلال مجددًا، كانت أقرب من أي وقت مضى. كانت تحدق به بعينين حمراوين متوهجتين. ولم تكن هذه المرة مجرد ظل، بل كانت كائنًا غريبًا يشبه تلك الأشكال التي كانت مرسومة في الكتاب.
أحمد حاول الصراخ، لكنه لم يستطع. كانت الظلال تتحرك ببطء نحوه، حتى شعرت أصابع باردة تلمس جلده. بدأ يشعر ببرودة تنتشر في جسده، وبدأ يفقد السيطرة على عقله. كان يعلم أن لعنة الكتاب لم تنتهِ بعد، وأن ما حدث كان مجرد بداية.
في صباح اليوم التالي، لم يظهر أحمد في الجامعة. حاول زملاؤه الاتصال به، لكن لم يكن هناك رد. عندما ذهبوا إلى منزله، وجدوا الأبواب مغلقة والنوافذ مغلقة بإحكام. وبعد عدة أيام من الغياب، اقتحموا المنزل ليجدوه فارغًا. كانت الغرفة التي ينام فيها أحمد مليئة بالرموز الغريبة، والنوافذ مغطاة برموز تشبه تلك التي كانت في الكتاب.
لم يجدوا أثرًا لأحمد، لكن كان هناك شيء واحد واضح: الكتاب الذي حاول دفنه قد عاد. كان ملقى على سريره، مفتوحًا على صفحة معينة، وكانت الرموز فيها متوهجة بلون أحمر قاتم.
تحدث الناس عن اختفاء أحمد لسنوات، ولم يُعثر عليه أبدًا. لكن من حين لآخر، يُسمع في الليل أصوات غريبة تأتي من منزله القديم، ويرى البعض تلك الظلال تتحرك بين الجدران. أصبح المنزل مكانًا محظورًا، وتحول الكتاب إلى أسطورة يرويها الناس، لكن لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه مجددًا.
ربما كانت لعنة الكتاب حقيقية، وربما كانت مجرد خيال. لكن الأكيد هو أن الدكتور أحمد اختفى دون أثر، وأن سر الكتاب الملعون سيظل غامضًا للأبد.