المنافقون فى المدينة المنورة
عبدالله بن أُبىّ ابن سلول رأس النفاق
من أشد و أشهر المنافقين ونزلت فيه آيات من القرآن الكريم
رحلة الرسول فى دعوته للبشرية لم تكن سهلة أو ممهدة بل عانى فيها كثيراً جداً وكانت المعاناة تتشكل فى شكل إساءات و سخرية و تطاول و جهاد ولكن أخطر أشكال المعاناة كان النفاق ولذلك فالمنافقين فى الدرك الأسفل من النار.
كانت المدينة المنورة قبل دخول الرسول الكريم(ص) بها قبائل يهودية و أخرى عربية هاجرت من اليمن بعد انهيار سد مأرب.
أولاً : القبائل اليهودية :
قبيلة بنو قينقاع - قبيلة قريظة - قبيلة بنو النضير
ثانياً : القبائل العربية أشهرها:
قبيلة الأوس - قبيلة الخزرج
• عبدالله بن أُبىّ ابن سلول الخزرجى من قبيلة الخزرج الأزدية .
كان يعيش فى المدينة المنورة وكاد أن يصبح ملكاً عليها لولا ظهور الإسلام وانتقال الرسول (ص) للإقامة بها ولك ان تتخيل احساس بن سلول بهذه اللحظة ، وقد أظهر إسلامه بعد غزوة بدر حينما رأى قوة الدولة الإسلامية تولد وبفطنته علم انها ستزداد وتتنشر.
فقد اضطر بن سلول ان يتحول من العداوة الجهرية الظاهرة للإسلام إلى العداوة السرية والكيد للإسلام والمسلمين بالاتفاق مع الكفار و الاتفاق مع اليهود والاتفاق مع الشيطان نفسه اذا استطاع وكان يدبر المؤامرات ويحيكها فى السر ، أما فى العلن فكان يتظاهر بحبه للإسلام والرسول فكان يقوم بعد خطبة الجمعة بعد أن يخطبها النبى (ص) فيدعو قومه للإسلام متظاهراً بنصرة الله ورسوله فكان يتظاهر بحرصه على مصلحة الإسلام والمسلمين و مبدأ الجهاد وهذه المقالة لا تتناول السيرة الذاتية لابن سلول وانما تركز على نفاقه وما سعى إليه لإضعاف الإسلام والمسلمين.
مشاهد نفاقه :
كان جاسوساً للكفار واليهود ينقل لهم ما يدور على الجانب الآخر حيث أنهم كانوا لا يستطيعون الحضور فى مجلس النبى(ص) أو وسط مجالس المسلمين فكان ينقل أخبار المسلمين لهمومما هو جدير بالذكر أنه كان العقل المدبّر لفكرة " مسجد الضرار "المسجد الذى أمر الرسول بهدمه لأن من شيده المنافقون وليس لغرض العبادة وانما لاجتماعاتهم و انتظار عودة أبو عامر الراهب الذى قد تنصر فى الجاهلية وكان يضمر الكره والحقد للرسول(ص) وذهب للرومان لاستجلاب جيش يواجه به المسلمون وهى قصة أخرى ليس مجالها هذا المقال.
فى غزوة أُحد :
عندما استشار النبى(ص) أصحابه قبل المعركة كان رأى الكثيرين وهم من الشباب المتحمسين أن يخرجوا لقتال قريش فى حين رأى ابن سلول التحصّن فى المدينة بدلاً من الخروج حتى لا ينكشف هو و أصحابه فهو لايريد الجهاد، ووافق الرسول الكريم (ص) على رأى الشباب (الأغلبية) وخرج فى ألف مقاتل.
وعندما كان المسلمون بين المدينة و أُحد وظهر جيش الكفار فى الأفق انفرد ابن سلول بثُلث الناس وقال " أطاعهم و عصانى" يقصد رسول الله (ص) ما ندرى علام نُقتلُ ههنا أيها الناس؟ فانسحب معه ثلاثمئة من المنافقين (300) و أصبح عدد المحاربين سبعمئة (700) وقد أثر هذا الموقف فى نفوس المسلمين وخفض من روحهم المعنوية.
وقام (عبدالله بن حرام الأنصارى) يخاطب هذه الفئة المنسحبة "يا قوم أذكركم بالله، لا تخذلوا قومكم ونبيّكم عندما حضر من عدوِّكم" فردوا عليه قائلين" لو نعلم أنكم تُقاتلون لما أسلمناكم. ولكنّا لا نرى أنه يكون قتال". فأبوا إلا الانصراف عن جيش المسلمين.
وكان ابن سلول كما ذكرنا آنفاً بعد خطبة الرسول يوم الجمعة يقف قائلاً " أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم أكرمكم الله به فانصروه وعزِّروه، واسمعوا له و أطيعوا". ثم يجلس. وبعد موقف غزوة أحد أراد أن يقوم بعد خطبة الرسول يوم جمعة ويكرر ما يفعله من قول فجذبه المصلون من ثيابه قائلين " أجلس يا عدو الله لستَ لذلك بأهل، وقد صنعت ما صنعت" فخرج يتخطى الرقاب ، فلقيه رجل من الأنصار فقال لأبن سلول " ويلك ارجع يستغفر لك رسولُ الله " فرد عليه ابن سلول فى صلف وكبر " والله ما أبغى يستغفر لى "
فى غزوة الخندق:
امتنع مع المنافقون من الاشتراك فى حفر الخندق وقلة انضباطهم فى صفوف المسلمين وكثرة ترددهم و رجوعهم إلى بيوتهم بهدف البلبلة وتفتيت الصف ونشر التخاذل وكانوا يحرضون أهل المدينة على ترك الصفوف و العودة إلى بيوتهم ويتعذرون بأن بيوتهم عورة أى معرضة لهجوم العدو ويخشون على أهلهم من العدو.
øقال الله تعالى : { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [الأحزاب 12 – 13
غزوة بني المصطلق (المريسيع):
كانت في شهر شعبان من السنة الخامسة للهجرة، وسببها أن الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق أراد حرب رسول الله (ص) ، وتهيّأوا للخروج، وخرج رسول الله وخرج معه سبعمائة مقاتل وثلاثون فرساً، ومن ضمن من خرجوا ابن سلال وجماعة من المنافقين.
وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه أن رسول الله قادم إليه، فخافوا خوفاً شديداً، وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهى رسول الله إلى المريسيع وهو مكان الماء.
وجعل راية المهاجرين مع أبي بكر الصديق ، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة..
وكشفت هذه الغزوة حقد المنافقين على الفئة المؤمنة، فما إن علموا بأن المسلمين انتصروا في المريسيع، حتى سعوا في إثارة النزعة العصبية بين المهاجرين والأنصار، عن طريق واقعة بين أحد المهاجرين و الأنصار فقد كسع - أى ضرب دبر غيره بيده أو رجله- رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، وسمعها رسول الله (ص) وأنكرها وقال النبي (ص) دعوها فإنها منتنة ، ولما سمع القصة ابن سلال قال" أوقد فعلها هؤلاء المهاجرون؛ كاثرونا فى بلدنا وصاروا ونافسونا ثم يريدون أن يطغوا علينا" فأراد بكلماته تلك أن يحيى العصبية القبلية ويعيدها جاهلية ثم أكمل حديثه قائلاً " والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"
يقول الله تعالى :{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون :8]
كما قال أيضاً " امنعوا الأموال عنه يقصد سيدنا محمد (ص) و عن أصحابه لا تعطوه زكاة و لا غيرها فيضطر الناس للانفضاض عنه" ، ولما سمع عمر بن الخطاب ذلك قال لسيد الخلق (ص) " دعنى أضرب عنق هذا المنافق " فقال له النبى(ص) " لا يتحدث الناس أن النبى كان يقتل أصحابه" فقد آثر النبى (ص) السلامة وعدم قتله حتى لا يقال ان محمداً يقتل اصحابه خاصة أن الكثيرين من خارج المدينة والمنطقة لا يعرفون بنفاق ابن سلول.
يقول الله تعالى : { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}[المنافقون :7]
حادثة الإفك:
هو من أشاع واتهم السيدة عائشة (رضى الله عنها) مع ((صفوان بن المعطل)) بفعل الفاحشة زوراً وبهتاناً و أنزل الله براءتها من فوق سبع سموات وكانت الحادثة فى أعقاب غزوة المريسيع.
وفاته :
حانت لحظة ابن سلول وفى سكرات الموت دخل عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – يزوره ، فطلب ابن سلول من النبي عليه الصلاة والسلام أن يعطيه ثوبه ليكون كفناً له عندما يموت، وقد فعل ذلك ليدفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته ، ولم يكن من عادة النبى (ص) أن يردّ سائلاً أبداً ، فوافق النبى (ص) ، كرماً منه ، و رداً لما فعله ابن سلول يوم بدر ، فقد استعار النبى (ص) من ابن سلول قميصه يوم بدر ليعطيه عمّه العباس رضي الله عنه ، فالعباس كان طويلاً فلم يكن يناسبه إلا قميص ابن سلول .
وجاء عبدالله بن عبدالله بن أبي ابن سلول رضي الله عنه فقد كان عكس أبيه وكان يحب رسول الله (ص) إلى النبى (ص) فقال : " يا رسول الله ، أعطني قميصك أكفنه فيه ، وصلّ عليه ، واستغفر له " ، فأعطاه النبي عليه الصلاة والسلام قميصه ، وقام ليصلّي عليه ، فلما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك أسرع إلى النبي النبى (ص) وقال له : " أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين ؟ "
فقال له الرسول :( إني خُيّرت فاخترت ، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها ) يعني قوله
تعالى : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [ التوبة : 80]
فقد جاءت الآية بالتخيير بين الاستغفار وعدمه ، فلما صلى عليه نزلت الآية الأخرى وهي
قوله تعالى : { وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [ التوبة : 84 ] .
وبموت عبدالله بن أبي ابن سلول انحسرت حركة النفاق إلى حد كبير ،في حين بقى آخرون على الكفر الذي يضمرونه ، والنفاق الذي يظهرونه ، ولا يعرف هؤلاء سوى حذيفة بن اليمان صاحب سرّ رسول الله (ص