قصة الإسكندر الأكبر: منارة الإسكندرية الخالدة

قصة الإسكندر الأكبر: منارة الإسكندرية الخالدة

0 المراجعات

قصة الإسكندر الأكبر: منارة الإسكندرية الخالدة

 

لم يكن الإسكندر الأكبر مجرد فاتح عظيم وعريق، بل كان أيضاً حالمًا يرى أبعد من حدود عصره. ففي رحلته التي غيّرت وجه التاريخ، وخلال غزوه لمصر عام 331 قبل الميلاد، أدرك هذا الشاب المقدوني العبقري أن الموقع الجغرافي الفريد على ساحل البحر المتوسط ليس مجرد ميناء، بل هو نقطة انطلاق لحضارة جديدة وعالم جديد. هنا، على الشريط الساحلي الذي يربط الصحراء بالبحر، أمر ببناء مدينة أطلق عليها اسمًا سيخلد ذكراه: الإسكندرية.

لم تُبنَ الإسكندرية لتكون مجرد عاصمة إدارية أو مركزًا عسكريًا، بل كانت مشروعًا فكريًا وثقافيًا ضخمًا لتغيير العالم بأسره. بتخطيط هندسي دقيق، صمم المهندس الإغريقي دينوقراطيس المدينة لتكون على هيئة شطرنج، بشوارعها المستقيمة المتقاطعة، مما يضمن تهويتها الطبيعية وتنظيمها الفائق. هذا التخطيط جعل منها نموذجًا حضريًا يُحتذى به العالم علي مر العصور.

كانت رؤية الإسكندر تتجاوز العمارة؛ فقد أراد أن يجعل من الإسكندرية مركزًا عالميًا للعلم والمعرفة. ورغم وفاته المبكرة، أكمل خلفاؤه من البطالمة هذا الحلم، فأسسوا فيها صرحين لا مثيل لهما: مكتبة الإسكندرية ومتحف الإسكندرية. لم تكن المكتبة مجرد مكان لتخزين الكتب، بل كانت أكبر وأهم مركز معرفي في العالم القديم، حيث ضمت مئات الآلاف من المخطوطات والكتب من مختلف الحضارات. جذبت المكتبة والمتحف كبار العلماء والمفكرين من كل مكان، مثل إقليدس الذي وضع أسس علم الهندسة، وإراتوستينس الذي حسب محيط الأرض بدقة لمذهلة، وهيرون الذي اخترع المحركات البخارية البدائية.

تحولت الإسكندرية إلى بوتقة تنصهر فيها الثقافات المصرية والإغريقية والفينيقية وغيرها، لتنتج حضارة فريدة تُعرف باسم الحضارة الهلينستية. لم يقتصر دورها على الجانب الفكري فقط، بل أصبحت أيضًا مركزًا تجاريًا عالميًا بفضل مينائها الذي كان يزدحم بالسفن القادمة من آسيا وأوروبا وأفريقيا. ولإرشاد هذه السفن، بُنيت منارة الإسكندرية الشهيرة، إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة(ليست موجوده الآن )، والتي كانت أطول مبنى في العالم آنذاك ورمزًا لنهضة المدينة.

لم تدم المدينة على نفس مجدها للأبد، حيث بدأت في التدهور مع سقوط الإمبراطورية البطلمية ومرور الزمن، ووصل الأمر إلى ذروته مع حريق المكتبة الكبير الذي محا جزءًا كبيرًا من كنوزها المعرفية. ومع ذلك، لم يمحُ الزمن أثرها تمامًا؛ ففكرتها ومنجزاتها ظلت مصدر إلهام للأجيال اللاحقة. إنها شهادة على أن أعظم الفتوحات لا تُقاس بقوة السيف، بل بفكر العقل وقوة الكلمة.

تظل قصة الإسكندر الأكبر والإسكندرية مثالًا حيًا على أن الرؤى العظيمة، حتى لو كانت من نصيب ملك شاب، يمكن أن تُشكل وجه العالم وتصنع حضارات خالدة. لقد ترك لنا الإسكندر مدينة لا تزال تحمل اسمه، وترك لنا فكرة أن العلم هو القوة الحقيقية التي تُبنى بها الأمم.

نظرية غرق الإسكندرية

تُشير العديد من الدراسات الجيولوجية والبيئية إلى أن مدينة الإسكندرية معرضة لخطر الغرق بسبب التغير المناخي. ترتفع درجات الحرارة العالمية مما يؤدي إلى ذوبان الجليد في القطبين، وهو ما يرفع منسوب مياه البحر. بالإضافة إلى ذلك، تعاني دلتا النيل، التي تقع عليها المدينة، من انخفاض تدريجي في مستوى الأرض، مما يجعلها أكثر عرضة للفيضانات. هذه العوامل مجتمعة قد تؤدي إلى ابتلاع أجزاء كبيرة من الإسكندرية تحت مياه البحر خلال العقود القادمة.

 

 

 

 

 

 

profile picture

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة