رسالة من الأندلس"

رسالة من الأندلس"

0 المراجعات

 “رسالة من الأندلس”

في أواخر القرن الخامس عشر، كانت الأندلس تحتضر. غرناطة، آخر معاقل المسلمين في إسبانيا، على وشك السقوط في يد الملكين الكاثوليكيين، فرناندو وإيزابيلا. كان الناس يعيشون في خوف وترقب، ينتظرون المصير الذي سيحل بهم بعد أن فقدت مدن مثل قرطبة وإشبيلية طابعها الإسلامي.

في تلك الأثناء، كان هناك شاب يُدعى "سليمان بن زيد"، طالب علم في مدرسة غرناطة العريقة. لم يكن مجرد شاب عادي، بل كان ذكيًا، محبًا للعلم، ومهووسًا بالتاريخ والفلك. كان والده قاضيًا محترمًا في المدينة، وربّاه على حب الحكمة والعدل.

ذات ليلة، دخل سليمان مجلس والده، ووجده يتحدث بصوت منخفض مع شيخ وقور. لاحظ سليمان أنهما يتكلمان عن "الرحيل" و"الحفاظ على التراث". اقترب أكثر، فتبين أن الشيخ هو أحد كبار العلماء، وقد طلب من القاضي تهريب مجموعة من الكتب والمخطوطات العلمية قبل أن تقع في يد المحاكم الكاثوليكية.

بعد أيام، قرر سليمان أن يتحمّل المهمة بنفسه. خبأ الكتب داخل صناديق زيت زيتون، ورافق قافلة تجارية متجهة نحو المغرب. كان الرحيل من غرناطة صعبًا، فكل زاوية من المدينة كانت تحمل ذكرى، وكل جدار يحكي قصة. لكنه أقسم ألا يدع هذا التراث يندثر.

عبر مضيق جبل طارق، وصل سليمان إلى مدينة فاس، حاملاً أعظم كنز ليس من الذهب أو الفضة، بل من المعرفة. سلّم المخطوطات إلى مكتبة القرويين، حيث حفظها العلماء وأعادوا نسخها ونشرها بين تلاميذهم. صار سليمان رمزًا للأمل في زمن الانهيار.

مرت السنوات، وسقطت غرناطة عام 1492، وانتهى بذلك حكم المسلمين في الأندلس. لكن العلم الذي حمله سليمان عاش، وانتقل إلى العثمانيين، ثم إلى أوروبا، وساهم في النهضة العلمية التي شهدها العالم.

كبر سليمان، وتزوج، وأصبح معلمًا في جامعة القرويين. كان كلما دخل فصله، نظر إلى الطلاب وقال:

“لم أهرب من الأندلس، بل حملت منها النور.”

ومات سليمان بعد عمر طويل، لكن اسمه ظل يُذكر في كتب التاريخ، ليس كقائد حرب، بل كمنقذ علم.

وفي أحد الأرفف القديمة بمكتبة فاس، لا تزال مخطوطة كتبها بيده محفوظة حتى اليوم، مكتوب عليها:

“لكل أمة تُهزم، هناك من يحمي روحها.. بالعلم.”

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

3

متابعهم

3

متابعهم

43

مقالات مشابة